في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، يسعى مشرعون أميركيون في مجلسي النواب والشيوخ إلى كبح جماح اندفاع الرئيس دونالد ترامب نحو توجيه ضربة عسكرية لإيران، مؤكدين أن الكونغرس وحده يمتلك سلطة إعلان الحرب، وأن “هذه ليست حرب أميركا”.
أحدث التحركات جاءت من النائبين توماس ماسي (جمهوري) ورو خانا (ديمقراطي)، اللذين قدّما مشروع قرار مشترك يُلزم الإدارة الأميركية بطلب موافقة الكونغرس قبل شن أي عمل عسكري ضد إيران. ويُنتظر التصويت على المشروع الأسبوع المقبل، في خطوة تهدف إلى منع واشنطن من الانجرار إلى حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط.
وقال ماسي في بيان: “الدستور لا يسمح للسلطة التنفيذية بشن عمل حربي ضد دولة ذات سيادة دون تفويض من الكونغرس. الحرب بين إسرائيل وإيران ليست حربنا”.
تصعيد غير محسوب
يأتي التحرك في وقت تناقلت فيه وسائل إعلام أميركية معلومات عن دراسة إدارة ترامب إمكانية استخدام قنبلة خارقة للتحصينات لاستهداف منشآت نووية إيرانية. ووفقًا للنائب خانا، فإن الخيار العسكري يحمل في طياته مخاطر ضخمة، مؤكدًا في مقابلة مع CNN: “نحتاج إلى حل دبلوماسي. لا أحد يريد حربًا قد تدوم سنوات دون نتائج مضمونة”.
وبينما تشير أجهزة الاستخبارات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران ليست على وشك تصنيع سلاح نووي، لا تزال الدعوات للتدخل العسكري تجد صدى في بعض دوائر الضغط السياسي والإعلامي، وخاصة من جماعات مؤيدة لإسرائيل مثل “أيباك” و”المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل”.
دعم واسع لمشروع القرار
التحرك في مجلس النواب تزامن مع خطوة مماثلة في مجلس الشيوخ بقيادة السناتور الديمقراطي تيم كين، الذي دعا لمناقشة علنية والتصويت على أي قرار باستخدام القوة ضد إيران. ويستند هذا التحرك إلى قانون صلاحيات الحرب لعام 1973، الذي يمنح الكونغرس الحق في سحب القوات من نزاع لم يُصرّح به رسميًا.
وقال كافان خرازيان، المستشار السياسي في منظمة Demand Progress، إن الهدف من القرار هو إجبار المشرعين على اتخاذ موقف علني بشأن التصعيد مع إيران، مضيفًا: “نريد وضع كل عضو في الكونغرس على السجل العام. الشعب الأميركي يستحق معرفة من يريد الزج بنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل”.
الرأي العام يرفض الحرب
تشير استطلاعات الرأي إلى رفض شعبي متزايد لفكرة التدخل العسكري. فوفقًا لاستطلاع أجرته شركة “يوغوف”، قال 37% من الأميركيين إن شن ضربات على إيران سيجعل البلاد “أقل أمانًا”، بينما أيّد فقط 14% فكرة أن الحرب ستجعل الولايات المتحدة أكثر أمنًا.
وفي استطلاع آخر أجرته “واشنطن بوست”، عبّر ما يقرب من نصف المشاركين عن معارضتهم للضربات العسكرية ضد إيران، متجاوزين بكثير نسبة المؤيدين.
نفوذ جماعات الضغط
رغم المعارضة الشعبية والمخاوف داخل الكونغرس، لا تزال جماعات الضغط تلعب دورًا كبيرًا في الدفع باتجاه تدخل أميركي. منظمة “أيباك” على سبيل المثال شنت هجومًا على النائب توماس ماسي، واتهمته بأنه يقف في صف “أعداء إسرائيل”، فقط لأنه صوت ضد حزم مساعدات عسكرية.
وقال خرازيان: “الضغط حقيقي. لكننا نرى أيضًا تغيرًا جذريًا في المزاج السياسي منذ الانتخابات الأخيرة. هناك رغبة متزايدة في وضع حد لحروب أميركا التي لا تنتهي”.
ترامب بين الضغط والتردد
حتى الآن، لم يتخذ الرئيس ترامب قراره النهائي بشأن التدخل المباشر، قائلًا إنه قد ينتظر “أسبوعين” قبل الحسم. لكن التقديرات تشير إلى احتمال تنفيذ الضربات قبل ذلك، ما يعزز أهمية التحرك البرلماني الحالي لتفعيل آليات الرقابة الدستورية على قرارات الحرب.
في النهاية، يرى كثير من المراقبين أن القرار المرتقب من الكونغرس سيشكل اختبارًا حاسمًا، ليس فقط لصلاحيات السلطة التشريعية، بل أيضًا لمصداقية الولايات المتحدة في تجنّب التورط في حروب عبثية، لا تخدم سوى أجندات خارجية، على حساب الأمن القومي الأميركي ومصالح الشعب.