خطت الكويت خطوة كبيرة نحو استكمال واحد من أضخم مشاريعها التنموية، مع افتتاح مدرج جديد بطول 4.58 كيلومترات وبرج مراقبة جوية بارتفاع 70 مترًا في مطار الكويت الدولي، ضمن برنامج تحديث شامل تبلغ كلفته الإجمالية نحو 5.8 مليارات دولار.
ويمثل هذا المشروع محورًا رئيسيًا في خطة “رؤية الكويت 2035”، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز مكانة البلاد كمركز إقليمي للنقل والتجارة والخدمات اللوجستية.
ويُعدّ تطوير مطار الكويت الدولي أحد أبرز مشاريع البنية التحتية الحديثة في تاريخ الدولة، إذ أُطلق البرنامج عام 2016 لاستبدال بنية المطار التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، مع الحفاظ على استمرار العمليات الجوية دون انقطاع.
وأعلنت الإدارة العامة للطيران المدني أن ما يُعرف بـ“الحزمة الثالثة” من المشروع اكتملت بنسبة 88% حتى نهاية أكتوبر، بقيمة تقارب 586 مليون دولار. وتشمل هذه الحزمة المدرج الثالث الجديد وبرج المراقبة، إلى جانب أعمال إعادة تأهيل المدرج الشرقي وتحديث البنية التحتية الجنوبية.
وقال سعد العتيبي، نائب المدير العام للإدارة، إن “افتتاح المدرج الثالث وبرج المراقبة يمثل نقلة نوعية في منظومة النقل الجوي في الكويت، وسيساهم في رفع كفاءة حركة الإقلاع والهبوط، وضمان أعلى مستويات السلامة الجوية، وترسيخ مكانة الكويت كمركز إقليمي للطيران والخدمات اللوجستية”.
هيكل المشروع ومراحل التنفيذ
يتكوّن البرنامج من ثلاث حزم متكاملة تهدف إلى تحويل مطار الكويت الدولي إلى مركز جوي من الجيل الجديد.
في قلب المشروع يقف مبنى الركاب الجديد رقم (2)، وهو الأكبر في البلاد بمساحة تقارب 700 ألف متر مربع. صممته شركة Foster + Partners البريطانية وتنفذه شركة Limak İnşaat التركية بعقد تفوق قيمته 4.3 مليارات دولار.
يتميز المبنى بتصميمه المستدام وسقفه الخرساني المثلث الأجنحة الذي يمتد على أكثر من 1.2 كيلومتر، مع اعتماد أنظمة تبريد سلبي وإضاءة طبيعية تقلل استهلاك الطاقة بنسبة 40%.
وسيستوعب المبنى عند اكتماله 25 مليون مسافر سنويًا، مع إمكانية التوسع إلى 50 مليونًا مستقبلًا. وتشير الإدارة إلى أن نسبة الإنجاز بلغت نحو 70%، ومن المتوقع افتتاحه في عام 2026.
وفي محيط المبنى، تُعاد تهيئة الممرات وساحات الطائرات وشبكات الصرف والإنارة لتتكامل مع البنية التحتية الجديدة. وقد وضعت شركتا NACO الهولندية وIneco الإسبانية المخطط العام والهندسة الميدانية للمطار.
البرج والمدرج الجديدان
يُعدّ برج المراقبة الجديد أحد أبرز معالم المشروع، إذ يبلغ ارتفاعه 70 مترًا ويعمل بأنظمة رادارية متطورة تمنح تغطية بزاوية 360 درجة لكامل المدارج الثلاثة.
ويستند البرج إلى قواعد مقاومة للزلازل، ما يعزز متانة المنشأة ضد المخاطر الطبيعية، ويحل محل البرج القديم الذي بُني عام 1986.
أما المدرج الثالث، الذي جرى تدشينه رسميًا في 30 أكتوبر، فيبلغ طوله 4.58 كيلومترات، ما يجعله قادرًا على استقبال الطائرات العملاقة الحديثة. ومن المقرر أن تبدأ المرحلة التالية من البرنامج بإعادة تأهيل المدرج الأوسط بعد تشغيل المدرج الجديد، بما يضمن استمرارية الرحلات دون تعطيل.
وقد مُنح عقد تنفيذ هذه المرحلة في عام 2017 لتحالف يضم شركة AVIC International Holding Corp الصينية وشركة HOT Engineering & Construction الكويتية، بقيمة قاربت 489 مليون دولار، ثم ارتفع المبلغ لاحقًا إلى 586 مليون دولار بعد إضافة عقود الأنظمة الجوية والإشراف الفني.
وفي عام 2024، تم التعاقد مع شركة دار الهندسة (شاعر وشركاه) لمتابعة أعمال الإشراف والتصميم وتحسين شبكات الصرف والإنارة وأنظمة الملاحة الجوية لمدة خمس سنوات.
بوابة إقليمية جديدة
تولي الحكومة الكويتية المشروع أهمية استراتيجية كبرى، إذ تعتبره ركيزة أساسية لتحقيق رؤية 2035 وتحويل الكويت إلى مركز إقليمي وعالمي للتجارة والخدمات الجوية.
وقالت نورة المشعان، وزيرة الأشغال العامة، إن “توسعة مطار الكويت الدولي تؤكد التزام الدولة بتطوير البنية التحتية وقطاع الطيران المدني وفق أعلى المعايير العالمية، بما يتناسب مع تطلعات رؤية 2035”.
ويُموّل المشروع بالكامل من وزارة المالية عبر الإيرادات الحكومية دون قروض خارجية، ما يعكس الثقة في قدرة الدولة على تمويل مشاريعها التنموية الكبرى.
وعند اكتمال جميع مراحله في مطلع 2027، سيضم مطار الكويت الدولي ثلاثة مدارج رئيسية، ومبنى ركاب صديقًا للبيئة، وأنظمة تشغيل ذكية تواكب أحدث التقنيات العالمية في إدارة الحركة الجوية.
وقال الشيخ حمود مبارك الحمود الصباح، رئيس الإدارة العامة للطيران المدني: “إن افتتاح برج المراقبة والمدرج الجديد يمثلان خطوة متقدمة في مسار المشاريع التنموية الكبرى، ويعكسان التزام الكويت بمواصلة تحديث بناها التحتية ومواكبة التطور العالمي في قطاع النقل الجوي”.
بهذه الخطوات، تفتح الكويت صفحة جديدة في تاريخ مطارها الدولي، الذي يتحول تدريجيًا من منشأة قديمة إلى بوابة إقليمية عصرية تجسد طموحات الدولة نحو تنمية مستدامة واقتصاد متنوع ومستقبل أكثر انفتاحًا على العالم.