السعودية تقلّص مشروع “ذا لاين” بسبب الضغوط المالية وتراجع أسعار النفط

by hayatnews
0 comment

في تطور مفاجئ يعكس التحديات التي تواجه طموحات رؤية السعودية 2030، أفادت صحيفة إندبندنت البريطانية أن المملكة قلّصت بشكل كبير خططها لإنشاء مدينة “ذا لاين” (The Line) العملاقة، التي كانت من المفترض أن تمتد بطول 100 ميل (نحو 170 كيلومترًا) في قلب الصحراء على ساحل البحر الأحمر، كجزء رئيسي من مشروع “نيوم” الذي تصل قيمته إلى تريليوني دولار.

والمشروع الذي روّج له ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باعتباره “ثورة عمرانية وتكنولوجية”، كان يهدف إلى بناء مدينة خطية خالية من الطرق والانبعاثات الكربونية، تسكنها 9 ملايين نسمة وتعمل بالكامل بالطاقة المتجددة.

إلا أن هذه الرؤية الطموحة تواجه الآن تقليصًا حادًا في الحجم والنطاق، مع تأكيدات من مصادر سعودية أن المرحلة الحالية لن تتجاوز بضعة أميال فقط وستستوعب نحو 300 ألف نسمة فقط — أي أقل من 5% من الرقم المخطط له.

وذكرت صحيفة ذا تايمز البريطانية أن مسؤولًا سعوديًا قال خلال منتدى استثماري في الرياض الأسبوع الماضي: “لقد أنفقنا كثيرًا، وتسرعنا بسرعة 100 ميل في الساعة، والآن نحن نواجه عجزًا وعلينا إعادة ترتيب أولوياتنا.”

يأتي هذا التحول في وقت تشهد فيه المملكة تباطؤًا في إيراداتها النفطية، ما يضغط على صندوق الاستثمارات العامة (PIF) الذي يُموّل أغلب المشاريع العملاقة، من بينها نيوم ومشاريع الدرعية والقدية والبحر الأحمر.

وقال المستشار المقرب من ولي العهد، الأمريكي جيري إنزيريلو، في تصريحات للصحيفة نفسها إن السعودية تقوم بـ”تصحيح مسار” بعد سنوات من الإنفاق الضخم، مضيفًا أن تراجع أسعار النفط فرض واقعًا جديدًا يتطلب سياسات مالية أكثر تحفظًا.

وكانت المملكة قد أطلقت مشروع “ذا لاين” رسميًا عام 2021 بوصفه نموذجًا فريدًا لمدن المستقبل، بطول 170 كيلومترًا وارتفاع 500 متر، وبعرض لا يتجاوز 200 متر.

واعتمدت الفكرة أن يعيش السكان في بيئة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي والنقل الفائق السرعة، في مدينة تحفظ 95% من الأراضي للطبيعة.

إلا أن المشروع واجه تأخيرات متكررة، وسط تساؤلات دولية حول جدواه الاقتصادية والبيئية، وانتقادات لعمليات التهجير القسري التي طالت آلاف السكان المحليين في منطقة تبوك لإفساح المجال للبناء.

وتشير تقارير رويترز إلى أن السلطات السعودية بدأت مؤخرًا بإعادة توجيه استثماراتها نحو مجالات تعتبرها أكثر مردودية، مثل الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات المعتمدة على الطاقة الهيدروكربونية، والتكنولوجيا المالية.

ونقلت الوكالة عن مصادر مقربة من صندوق الاستثمارات العامة أن الاستراتيجية الجديدة ستركز على “عائدات أسرع وأكثر استدامة”، بعد تعثر عدد من المشاريع الضخمة التي تتطلب تمويلًا طويل الأمد.

وبينما كان يُتوقع أن تنتهي المرحلة الأولى من مشروع “ذا لاين” بحلول عام 2030، تشير التسريبات الجديدة إلى أن الجدول الزمني الكامل الممتد حتى عام 2045 أصبح موضع مراجعة، مع احتمال تجميد أجزاء واسعة من الخطة الأصلية.

أما بالنسبة للمشاريع الأخرى ضمن “نيوم”، فإن التقدم متفاوت:

“أوكساجون” (Oxagon)، المجمع الصناعي العائم الذي صُمم على شكل مثمن، لم يُبن بعد بالكامل، مع توقعات بإنهاء المرحلة الأولى عام 2027.

“تروجينا” (Trojena)، الوجهة الجبلية التي كانت مقررة لاستضافة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، تواجه تأجيلًا إلى ما بعد 2032.

“سندالة” (Sindalah)، الجزيرة الفاخرة الوحيدة التي افتُتحت رسميًا العام الماضي بعد تأخير ثلاث سنوات وتكلفة فاقت الميزانية بثلاثة أضعاف، لكنها لا تزال مغلقة أمام الزوار.

ويشير مراقبون اقتصاديون إلى أن هذا “التقليص الواقعي” يعكس تحولًا في عقلية صناع القرار في الرياض، من الرؤية المستقبلية الطموحة إلى إدارة أكثر براغماتية تركّز على المشاريع ذات العائد السريع، خصوصًا مع التزامات ضخمة مقبلة مثل استضافة كأس العالم 2034 التي تتطلب بناء 11 ملعبًا جديدًا ومرافق بنية تحتية متكاملة.

وبينما تبقى “نيوم” حجر الزاوية في رؤية 2030، فإن تقليص “ذا لاين” – المشروع الأكثر رمزية – يشير إلى حدود الطموح في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية والمالية المحلية، وربما يفتح الباب لمراجعة أوسع للسياسات الاستثمارية السعودية خلال السنوات القادمة.

You may also like

Leave a Comment