مأزق مصر في غزة.. أزمة تدفق لاجئين وصدمات اقتصادية

by hayatnews
0 comment

منذ بداية حرب إسرائيل على غزة ومصر قلقة من المخاطر التي تشكلها للقاهرة، بداية بتدفق لاجئين وانتهاء بالصدمات الاقتصادية.

وبحسب مجموعة الأزمات الدولية ينبغي على شركاء مصر الأجانب أن يستمروا بالعمل من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار – وهو أفضل سبيل لمنع امتداد آثار الحرب – وأيضاً إلى دفع المسؤولين المصريين نحو إجراء إصلاحات داخلية.

وتطرح حرب غزة تحديات عدة على مصر – من احتمال أن تؤدي العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى دفع حشود من الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء إلى تداعيات على الاقتصاد المصري الهش أصلاً.

وحتى الآن، وظفت القاهرة الأزمة لمصلحتها، حيث استغلت المخاوف الغربية من أن ما يحدث في قطاع غزة من شأنه أن يزعزع استقرار مصر لكن يبقى خطر امتداد الصراع قائماً، ويمكن للمساعدات المالية التي تلقتها مصر أن تغطي على المشاكل الاقتصادية التي تحتاج إلى تغيير بنيوي لحلّها.

ما الذي ينبغي فعله؟

ينبغي على العواصم الغربية الاستمرار في رفض أي فكرة لتهجير الفلسطينيين قسرياً من قطاع غزة والضغط على الأطراف المعنية لوقف الأعمال القتالية.

وينبغي على المؤسسات الدولية، والجهات المانحة – ومثالياً – العواصم الخليجية التي تقدم المساعدات لمصر أن تضغط لإجراء إصلاحات، ولا سيما تخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد، وهو الأمر الحيوي لتحقيق الاستقرار بعيد المدى.

لمحة عامة

أحدثت حرب غزة توتراً كبيراً في مصر، مع مراقبة القاهرة للكارثة الإنسانية على حدودها الشرقية وقلقها حيال امتدادها إلى الداخل المصري.

منذ بدأ القتال، ساورت القادة المصريين مخاوف من أن العمليات العسكرية ستجبر مئات آلاف الفلسطينيين على النزوح إلى شبه جزيرة سيناء.

لكن الصراع يطرح تحديات أخرى أيضاً؛ فقد أدى إلى إخراج كميات من العملة الصعبة من الاقتصاد، الأمر الذي يعمق الصعوبات التي تواجهها مصر.

لقد حصلت السلطات على مهلة جزئية، حيث أمّنت استثمارات جديدة من الخليج ومساعدات من دائنين أجانب آخرين، وذلك باللعب جزئياً على المخاوف الغربية من حدوث ارتفاع كبير في عدد المهاجرين إلى أوروبا. لكن لم يتم تجاوز جميع المخاطر بعد.

فمع تصعيد إسرائيل لتوغلاتها في مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، ينبغي على شركاء مصر الغربيين أن يستمروا في التحذير من النزوح من القطاع، وأن يستمروا في دفع كلا الطرفين إلى وقف الأعمال القتالية وإدخال المساعدات المنقذة للحياة بسرعة.

من خلال تقديم المساعدات والاستثمار في مصر، ينبغي على الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، ومثالياً دول الخليج، أن تضغط لإحداث إصلاحات اقتصادية بنيوية، دون أن تغض النظر عن التغيير السياسي، حيث يبقى كلاهما حيوياً لاستقرار البلاد على المدى البعيد.

تفاقم عدم الاستقرار

منذ بداية الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023، رفضت مصر بقوة الفكرة التي طرحها عدة مسؤولين إسرائيليين بوجوب انتقال فلسطينيي غزة إلى سيناء، حرصاً منها على تجنب أزمة لاجئين من شأنها أن تهدد أمنها الوطني وتفاقم عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

ينبع موقف القاهرة من التضامن المبدئي مع القضية الفلسطينية والشكوك التاريخية بالنوايا الإسرائيلية حيال الفلسطينيين. لكن المسؤولين المصريين قلقون أيضاً من أن تدفقاً للفلسطينيين، بما في ذلك المقاتلين، إلى سيناء من شأنه أن يعيد إحياء التمرد الجهادي الذي عصف بشبه الجزيرة لبضع سنوات.

لقد اتخذ الشركاء الغربيون، على الأقل منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2023، موقفاً واضحاً ضد النزوح، بينما ظل التهديد الفعلي لحدوث النزوح بين مد وجزر. لكنه يبقى على رأس قائمة الهواجس المصرية، ولا سيما بالنظر إلى التصعيد القائم في رفح.

وانخرطت مصر بفعالية في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب؛ إذ توسطت، مع قطر، بين إسرائيل وحماس سعياً إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار من شأنه أن يسمح بتبادل للرهائن/الأسرى وزيادة المساعدات الإنسانية لغزة بشكل كبير.

وقد وفّرت مثل هذه الدبلوماسية لمصر، كما في جولات القتال السابقة في القطاع، فرصة لإثبات استمرار أهميتها للولايات المتحدة والدول الأخرى كوسيط محتمل لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

لكن الحرب أجبرت القاهرة أيضاً على النظر في ترتيبات سياسية وأمنية محتملة جديدة لقطاع غزة.

رغم أن المسؤولين يحجمون عن التحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع في غياب وقف لإطلاق النار، فإنهم واضحون في أن مصر تأمل، حالما تنتهي الحرب، بأن تتمكن من دفع إسرائيل والفلسطينيين نحو استئناف المحادثات الرامية إلى التوصل إلى تسوية شاملة على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وقد كان للصراع في قطاع غزة تداعيات محلية مهمة، ولا سيما أنه، حتى قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت مصر تترنح جراء ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع حجم الديون.

في الأشهر الأولى للحرب، شهدت مصر انقطاعات حادة في العائدات من صادرات الغاز الطبيعي، والسياحة ورسوم العبور في قناة السويس، وفي الحالة الأخيرة بسبب القلق في أوساط صناعة الشحن بشأن هجمات حوثيي اليمن في البحر الأحمر.

ناشدت الحكومة الشركاء الأجانب لإغاثتها، وحصلت على تمويل جديد من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إضافة إلى استثمارات كبيرة من الإمارات العربية المتحدة. وفّرت لها تلك الأموال مهلة مؤقتة، إذ جنبتها الانهيار الاقتصادي.

لكن من غير الواضح إلى متى ستستمر مزاياها. كما أن مكانة الرئيس عبد الفتاح السيسي بين المصريين ليست مؤكدة، بالنظر إلى أن التعبير عن الغضب الشعبي بشأن الحرب قد يتيح مجالاً للاحتجاجات الموجهة ضد الحكومة بسبب الأحوال المعيشية التي تزداد قسوة.

 

ينبغي على شركاء مصر الأجانب أن يستمروا في رفض أي نزوح جماعي من غزة والضغط لإنهاء الحرب هناك، واستغلال دعمهم لمصر من أجل تشجيعها على إجراء إصلاحات.

تشكل الخسائر البشرية المروعة سبباً كافياً لفعل كل ما هو ممكن لوقف الحرب، لكن الصحيح أيضاً هو أن مخاطر امتدادها إلى مصر ستستمر ما دامت الحرب قائمة. حتى الآن، استعملت القاهرة مأزق مصر للحصول على مساعدات واستثمارات من شركاء قلقين بشأن استقرارها، لكن تلك المقاربة قد لا تصمد بمرور الوقت.

يبقى الاقتصاد هاجساً، بالنظر إلى أن مصر بحاجة إلى ما يكفي من العملات الأجنبية للوفاء بالتزاماتها بسداد الديون في المستقبل.

يعد خلق ميدان تنافس منصف بين الشركات المملوكة للدولة (ولا سيما التي يملكها الجيش) والقطاع الخاص أمراً جوهرياً لتعزيز نشاط الأعمال.

ومثالياً أيضاً، يمكن للحكومة أن تطلق تحركات لفتح الفضاء العام، بالسماح للمجتمع المدني وأحزاب المعارضة بتنظيم أنفسها بحرية وإطلاق سراح السجناء السياسيين، على سبيل المثال.

سيكون إقناع حكومة السيسي بتبني مثل هذه الإصلاحات الاقتصادية والسياسية أمراً صعباً، لكن فعل ذلك حيوي لصمود مصر في وجه الصدمات الراهنة والمستقبلية.

You may also like

Leave a Comment