كشفت صحيفة التليغراف البريطانية عن تطور صادم في واحدة من أكثر القضايا دموية التي هزّت ألمانيا خلال الأعوام الأخيرة، حيث اعترف الطبيب النفسي السعودي طلال عبدالمحسن أمام المحكمة بأنه هو من نفّذ الهجوم الإرهابي بسيارته على سوق عيد الميلاد في مدينة ماغديبورغ، شرق البلاد، في ديسمبر الماضي، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة أكثر من 300 آخرين.
وبحسب الصحيفة أدلى المتهم، البالغ من العمر 51 عامًا، باعترافه الكامل خلال جلسة محاكمته في قاعة أُعدت بإجراءات أمنية مشددة، حيث ظهر داخل قفص زجاجي مضاد للرصاص، مكبّل اليدين، وتحت حراسة خاصة. وقال للمحكمة بصوت هادئ: “أنا من كان يقود السيارة”.
ورغم فداحة الجريمة، لم يُبدِ عبدالمحسن أي ندم أو أسف تجاه الضحايا، كما رفض تقديم اعتذار لعائلات القتلى والمصابين، في مشهد أثار غضب الحضور وبعض الناجين الذين غادروا القاعة احتجاجًا.
خلفية فكرية متناقضة
بحسب ما نقلته التليغراف، فإن المتهم يُعرف بمواقفه العدائية تجاه الإسلام، رغم كونه من أصل سعودي، كما كان مؤيدًا لحزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف، وهو الحزب الذي يتبنى خطابًا معاديًا للمهاجرين والمسلمين.
وفي خطابه أمام المحكمة، تحدث عبدالمحسن مطولًا عن الفيلسوف الفرنسي فولتير، وهاجم أوضاع المرأة في السعودية، واتهم المستشارة السابقة أنغيلا ميركل بـ”خيانة ألمانيا”، في إشارة إلى سياساتها المنفتحة تجاه اللاجئين.
وخلال الجلسة، استخدم المتهم حاسوبًا محمولًا خُصص له لمتابعة مجريات المحاكمة ليعرض على الشاشة شعارين غامضين: “MagdeburgGate” و”سبتمبر 2026″، في إشارة فسّرها بعض المراقبين بأنها تتعلق بالانتخابات الإقليمية المقبلة في ولاية ساكسونيا أنهالت، حيث يُتوقع أن يحقق حزب AfD تقدمًا لافتًا.
وطلب القاضي مرارًا من عبدالمحسن الكف عن الخطابات السياسية، مؤكداً أن المحكمة معنية فقط بالجانب الجنائي للجريمة، فيما اعتبر مراقبون أن المتهم يحاول استغلال المحاكمة كمنبر سياسي.
تفاصيل الهجوم الدامي
بحسب الادعاء العام، فإن المتهم قاد سيارته من طراز BMW X3، تزن طنين وتبلغ قوتها 340 حصانًا، بسرعة عالية نحو الحشود في سوق عيد الميلاد بماغديبورغ يوم 20 ديسمبر 2024، في وقت كانت الساحات تعج بالزوار قبل أيام قليلة من عيد الميلاد.
وأوضح المدعي العام ماتياس بوتشر أن السيارة “اندفعت عمدًا وسط المارة”، ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص بينهم طفلان، وإصابة أكثر من 300 شخص بإصابات متفاوتة الخطورة، في هجوم وصفه بأنه “عمل إرهابي مدروس” نابع من دوافع فكرية وسياسية متطرفة.
وأشارت التحقيقات إلى أن عبدالمحسن تمكن من دخول السوق عبر فجوة في الحواجز الأمنية التي كانت معدة لمنع عمليات الدهس، ما أثار جدلاً واسعًا حول إهمال السلطات المحلية في تأمين المكان رغم تحذيرات سابقة.
وأكدت الصحيفة أن السلطات السعودية كانت قد حذّرت ألمانيا عام 2024 من تهديد محدد أطلقه عبدالمحسن على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد نشره سلسلة منشورات تحمل تهديدات مباشرة، غير أن الأجهزة الألمانية لم تتخذ إجراءات جدية بحقه.
من لاجئ إلى قاتل
ذكرت التليغراف أن المتهم وصل إلى ألمانيا عام 2006 بصفة لاجئ سياسي بعد مغادرته السعودية، وعمل لسنوات طبيبًا نفسيًا في عدة مستشفيات ألمانية حتى عام 2020، حين بدأ نشاطه الإلكتروني المتطرف وظهوره في منتديات يمينية متطرفة.
ومن المقرر أن تستمر جلسات المحاكمة لمدة خمسين يومًا، على أن تُختتم في مارس المقبل. ويتوقع الادعاء العام أن يُدان عبدالمحسن بتهم القتل العمد والإرهاب، ما قد يعرضه لعقوبة السجن المؤبد دون إمكانية الإفراج المشروط.
ويُعد هذا الهجوم الأكثر دموية في ألمانيا منذ عام 2016، حين قُتل 12 شخصًا في هجوم مشابه استهدف سوق عيد الميلاد في برلين.
ويرى مراقبون أن القضية تثير أسئلة محرجة حول فعالية أجهزة الأمن الألمانية في مواجهة التهديدات الداخلية، خصوصًا حين تصدر من أشخاص يحملون خلفيات فكرية معقدة تجمع بين التطرف اليميني والسخط الديني، في ظاهرة باتت تؤرق أوروبا بأكملها.