الإمارات أمام مأزق سياسي وأخلاقي بسبب دعمها لقوات الدعم السريع في السودان

by hayatnews
0 comment

تشهد السياسة الإماراتية تجاه السودان تحوّلًا لافتًا بعد أكثر من عامين من الحرب الأهلية التي دمرت البلاد، إذ باتت أبوظبي تجد نفسها أمام مأزق سياسي وأخلاقي غير مسبوق بسبب دعمها لقوات الدعم السريع، القوة شبه العسكرية التي ارتكبت فظائع واسعة النطاق في دارفور، وأصبحت رمزًا للفوضى السودانية الراهنة.

ففي أول اعتراف علني من نوعه، أقرّ أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، بأن بلاده – إلى جانب قوى إقليمية أخرى – ارتكبت أخطاء فادحة في التعامل مع السودان منذ انقلاب 2021، الذي أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية وأعاد الحكم العسكري إلى الواجهة.

وقال قرقاش في مؤتمر البحرين الأمني إن “الخطأ الكبير كان في عدم التصدي للانقلاب”، مضيفًا أن دعم العسكريين على حساب المدنيين بعد سقوط عمر البشير مثّل انحرافًا عن مسار الانتقال الديمقراطي.

هذا التصريح، الذي نقله باتريك وينتور في الغارديان، يمثل تراجعًا غير مسبوق عن السياسة الإماراتية السابقة، التي كانت تعتمد على دعم القيادات العسكرية، وخصوصًا محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، باعتباره ركيزة لمواجهة الإسلام السياسي وضمان الاستقرار في السودان.

دعم تحت الضغط

على مدى السنوات الماضية، لعبت الإمارات والسعودية دورًا محوريًا في تشكيل المشهد السوداني بعد الثورة. فبعد سقوط البشير عام 2019، سارعتا إلى تقديم قرض بقيمة 3 مليارات دولار للمجلس العسكري الانتقالي، بينما تم تجميد المساعدات عندما بدأت السلطة المدنية بقيادة عبدالله حمدوك تفرض حضورها.

ويرى محللون أن هذا التردد الخليجي ساهم في إضعاف الحكومة المدنية ومهّد الطريق لانقلاب 2021 الذي قاده البرهان وحميدتي معًا، قبل أن يتحول تحالفهما إلى صراع دموي عام 2023.

لكن الضغوط الدولية المتزايدة، والتقارير الأممية التي وثقت نقل أسلحة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، دفعت أبوظبي اليوم إلى مراجعة موقفها.

فقد فرضت واشنطن عقوبات على شركات إماراتية تموّل حميدتي، فيما تواجه الإمارات انتقادات حادة من منظمات حقوقية تتهمها بالتورط غير المباشر في المجازر التي شهدتها مدينة الفاشر مؤخرًا.

بين السمعة والمصالح

التحول الإماراتي لا يعني بالضرورة انقلابًا كاملاً في الموقف، بقدر ما يعكس حسابات دقيقة للحفاظ على سمعة الدولة ومصالحها الاستراتيجية. فالإمارات، التي تسعى لتقديم نفسها كوسيط إقليمي براغماتي، تجد نفسها في موقع الدفاع أمام اتهامات بأنها ساهمت في تمكين طرف مسؤول عن جرائم حرب.

وتحاول أبوظبي تبرير موقفها بالتأكيد على أنها “ليست الراعي الأساسي للحرب”، وأن هدفها هو “عودة الحكم المدني الخالي من الإسلاميين”، على حد تعبير لانا نسيبة، وزيرة الدولة لشؤون الخارجية.

لكن منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” تعتبر أن اختبار صدقية هذا الموقف يكمن في تعاون الإمارات الكامل مع لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بحظر الأسلحة في السودان.

الذهب والبحر الأحمر

ورغم الاعتبارات السياسية، تبقى المصالح الاقتصادية في قلب المعادلة.

فالإمارات هي الوجهة الأولى لصادرات الذهب السوداني، سواء عبر القنوات الرسمية أو التهريب. وتقدّر قيمة الذهب المهرّب الذي يصل إلى الإمارات بنحو 13 مليار دولار سنويًا، ما يجعل هذا المعدن أحد أعمدة العلاقة بين حميدتي وأبوظبي.

كما ترتبط المصالح الإماراتية بمشاريع كبرى على البحر الأحمر، أبرزها ميناء “أبو عمامة” الذي وُقع عقده في 2022 بقيمة 6 مليارات دولار قبل أن يلغيه البرهان لاحقًا. هذه المشاريع تمثل بالنسبة للإمارات امتدادًا لرؤيتها الجيو-اقتصادية القائمة على السيطرة على سلاسل الإمداد والموانئ في المنطقة.

وبالتالي، فإن أي قطيعة تامة مع قوات الدعم السريع ستتطلب من الإمارات إعادة هيكلة شبكة مصالحها الاقتصادية والأمنية في السودان، وهو ما لا يبدو سهلًا في المدى القريب.

بين واشنطن والقاهرة

الولايات المتحدة ترى أن الحل في السودان يمر عبر توافق بين الإمارات ومصر – الداعمة للجيش – للضغط المشترك على وكلائهما المحليين لوقف إطلاق النار.

وفي سبتمبر الماضي، أصدرت “الرباعية” (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، الإمارات) بيانًا وضع خارطة طريق لهدنة إنسانية تتبعها مرحلة انتقالية مدنية خلال تسعة أشهر، مع التحذير من دور “الجماعات المتطرفة المرتبطة بالإخوان المسلمين”، وهي صياغة تُرضي المخاوف الإماراتية التقليدية.

لكن فشل هذه المبادرات حتى الآن يشير إلى أن أبوظبي لم تحسم بعد خيارها النهائي بين الانسحاب الكامل من دعم قوات الدعم السريع، أو الإبقاء على علاقة رمادية تحفظ لها أوراق النفوذ والمصالح.

اختبار المصداقية

يرى المراقبون أن الإمارات تقف اليوم أمام مفترق طرق: فإما أن تثبت جديتها في الانخراط بحل سياسي يعيد بناء السودان على أسس مدنية، أو أن تظلّ جزءًا من المشكلة عبر استمرار دعمها لقوة متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وفي كل الأحوال، فإن كلفة البقاء في هذا المستنقع تتصاعد يومًا بعد يوم. فالذهب الذي كان رمزًا للثروة بات دليلًا على الدم، والمصالح التي بُنيت على “الاستقرار بالقوة” تحولت إلى عبء يهدد مكانة الإمارات الإقليمية والدولية.

وهكذا، فإن السؤال المطروح اليوم ليس فقط: هل ستتخلى الإمارات عن قوات الدعم السريع؟

بل: هل تستطيع فعلًا أن تفصل بين مصالحها في السودان ومشروعها الإقليمي الأوسع، دون أن تتورط في مزيد من النزاعات التي تقوّض صورتها كقوة “معتدلة” في عالم عربي مضطرب؟.

You may also like

Leave a Comment