الاتحاد الأوروبي يُعيد إحياء ممارسة مالية مثيرة للجدل سبّبت أزمة 2008

by hayatnews
0 comment

في خطوة مثيرة للجدل، يعتزم الاتحاد الأوروبي إحياء ممارسة التوريق المالي التي اقترنت في الأذهان بالأزمة المالية العالمية لعام 2008، والتي اعتُبرت حينها أحد الأسباب الجوهرية لانهيار الأسواق. هذه الخطوة تأتي في إطار محاولة المفوضية الأوروبية تنشيط الإقراض المصرفي، وسط تباطؤ اقتصادي ملحوظ يخيّم على التكتل.

من المقرر أن تكشف المفوضية الأوروبية، يوم الثلاثاء، عن حزمة تشريعية تهدف إلى إعادة إطلاق سوق التوريق التي تراجعت بشدة بعد الأزمة نتيجة القواعد التنظيمية الصارمة التي فُرضت حينها للحد من المخاطر.

وتسمح هذه الممارسة للبنوك بإعادة تغليف القروض والديون — كالقروض العقارية أو الاستهلاكية — وتحويلها إلى أوراق مالية يتم بيعها للمستثمرين.

وكما جاء بطريقة ساخرة في فيلم “The Big Short”، فإن هذه التقنية سُوّقت خلال فترة ما قبل الأزمة على أنها أداة لخفض المخاطر، لكنها أدت في النهاية إلى انهيار مالي واسع النطاق.

في السياق الأوروبي، تراجع حجم سوق التوريق من نحو تريليوني يورو في ذروته قبل الأزمة، إلى نحو 1.2 تريليون يورو حالياً. وعلى النقيض، واصلت السوق الأميركية نموها، لتصل إلى 13.7 تريليون دولار في 2025، مقارنة بـ11.3 تريليون دولار عام 2008. هذا التفاوت دفع المفوضية إلى اعتبار التوريق “أداة غير مستغلة” في أوروبا، يمكن أن تساهم في إحياء اقتصادها الراكد.

وبموجب الخطط الجديدة، ستتمكن البنوك الأوروبية من تقليص رأس المال المطلوب مقابل الديون المورقة، مع تخفيف قواعد الإبلاغ والعناية الواجبة، الأمر الذي يمنحها مساحة أكبر لتقديم قروض جديدة.

وتؤكد المفوضية أن الضمانات الرقابية لا تزال قائمة، لتفادي تكرار ما حدث في 2008.

ومع ذلك، فإن هذه التطمينات لم تُقنع الجميع. فقد حذرت منظمة “فاينانس ووتش” غير الحكومية من أن التوريق بصيغته الحالية “لن يوجه رأس المال نحو الاقتصاد الإنتاجي”، بل سيستخدم غالبًا لتعزيز عوائد المساهمين أو تلبية المتطلبات التنظيمية.

ولفتت إلى أن البنوك غير ملزمة باستخدام “رأس المال المحرّر” لدعم قطاعات الاقتصاد الحقيقي.

حتى البنك المركزي الأوروبي بدا متحفّظًا. وفي تصريحات لمسؤولين في ذراعه الرقابي، حذّر من أن خفض متطلبات رأس المال لتشجيع التوريق قد يؤدي إلى انحراف عن المعايير الدولية، ويُغذي الفقاعات المالية، ويُخفي المخاطر داخل ميزانيات البنوك.

وأضاف أن الاتحاد الأوروبي “يجب أن يتعلم من دروس الأزمة المالية العالمية”، لا أن يعيد إنتاج نفس الآليات التي أدت إلى انهيار الأسواق قبل أقل من عقدين.

ورغم هذه التحذيرات، تمارس حكومات قوية في الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا ضغوطاً لتخفيف القواعد، طمعاً في تنشيط قطاعاتها المصرفية.

ويُنظر إلى هذه الخطوة أيضاً على أنها جزء من جدول أعمال أوسع للمفوضية الأوروبية يهدف إلى تعزيز الاستثمار والنمو الاقتصادي في أوروبا، خاصة بعد التباطؤ الذي رافق اضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار الطاقة، والصدمات المتتالية بعد جائحة كورونا.

ومن المنتظر أن ترحب البنوك الأوروبية بهذه التغييرات، التي ستمنحها مرونة مالية أكبر، مع تقليص المتطلبات التي فُرضت بعد الأزمة لحماية النظام المالي من الانهيارات المتسلسلة.

والسؤال الأبرز الآن هو ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يكرر نفس الأخطاء التي سبقت أزمة 2008. حينها، جرى تسويق التوريق كأداة لتحسين كفاءة الأسواق، لكن غياب الشفافية والتراخي التنظيمي أدّيا إلى انهيار عالمي. اليوم، وبرغم الدروس السابقة، يبدو أن الضغوط الاقتصادية والسياسية تدفع نحو المسار ذاته، وإن بوجه مختلف.

وبينما تروج بروكسل لهذا التوجه كوسيلة لتعزيز السيولة وتحفيز النمو، يرى منتقدون أن هذه المقاربة تنطوي على مخاطر كبيرة في غياب حوكمة صارمة، مؤكدين أن الحلول الاقتصادية قصيرة الأمد قد تفضي إلى أزمات طويلة الأمد — تماماً كما حدث قبل 17 عاماً.

You may also like

Leave a Comment