قالت صحيفة فايننشال تايمز إن المتشددين في إيران يعملون على تقويض موقف الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان ومنع أي مفاوضات محتملة مع الولايات المتحدة، على الرغم من تصاعد التهديدات الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما يزيد من احتمالات تصاعد التوتر بين البلدين.
وبحسب الصحيفة كان انتخاب بزشكيان قبل أقل من عام قد منح الأمل في فرصة للانخراط مع واشنطن، إذ تعهّد الرئيس الإصلاحي بالسعي إلى التوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
إلا أن خطته باتت الآن في مهب الريح، بعدما أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي الشهر الماضي رفضه التام لأي محادثات مع الولايات المتحدة، وذلك بعد أن أعاد ترامب فرض سياسة “الضغوط القصوى” التي انتهجها خلال ولايته الأولى.
وقد صعّد ترامب من حدة خطابه يوم الجمعة، قائلاً إنه وجّه رسالة إلى خامنئي يطالبه فيها بالتفاوض أو مواجهة عمل عسكري. وأضاف لقناة فوكس بيزنس: “إذا اضطررنا إلى التدخل عسكريًا، فسيكون ذلك أمرًا كارثيًا بالنسبة لهم. لا يمكنك السماح لهم بامتلاك سلاح نووي”.
في المقابل، كثّفت الفصائل المتشددة في إيران جهودها لإضعاف بزشكيان وحلفائه من الإصلاحيين؛ إذ أقال البرلمان، الذي يهيمن عليه المتشددون، هذا الشهر وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، فيما اضطر محمد جواد ظريف، نائب الرئيس ومهندس الاتفاق النووي لعام 2015، إلى الاستقالة بضغط من القضاء.
وقال حميد رضا ترقي، السياسي المتشدد: “البرلمان لن يسمح للولايات المتحدة أو إسرائيل أو الإصلاحيين بفرض ضغوط اقتصادية متعمدة لإثارة الاضطرابات وإجبار النظام على تغيير موقفه العدائي تجاه الغرب”.
ويرى خامنئي والمتشددون أن ترامب لا يستهدف فقط البرنامج النووي الإيراني، بل يسعى أيضًا إلى فرض تنازلات بشأن برامج إيران العسكرية ودعمها لوكلائها الإقليميين، وهو ما تعتبره طهران جزءًا أساسيًا من أمنها وقوتها. وتنفي إيران سعيها لتطوير أسلحة نووية.
ويجادل المتشددون بأن الاعتماد على القدرات الاقتصادية المحلية وتعزيز العلاقات مع الصين ودول الجوار كافٍ لتعويض العقوبات الأميركية.
وقال ترقي: “الإقالة كانت إنذارًا للحكومة لتخفيف الضغط الاقتصادي بالاعتماد على القدرات الداخلية بدلًا من تعليق الآمال على المحادثات مع واشنطن”.
ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتراجع قيمة الريال الإيراني بنسبة 60% مقابل الدولار خلال ولاية همتي، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، تتزايد التكهنات بين المواطنين والدبلوماسيين الغربيين حول ما إذا كان بزشكيان سيتمكن من البقاء في منصبه حتى انتهاء ولايته في 2028.
وبات الرئيس يواجه انتقادات حتى من داخل المعسكر الإصلاحي، بسبب إخفاقه في تنفيذ وعوده الانتخابية. وقد حذّر بعض السياسيين الإصلاحيين من أن وزيري العمل والصحة، وهما أبرز من تبقى من الوزراء الإصلاحيين، مهددان أيضًا بالإقالة.
وقال المحلل السياسي الإصلاحي سعيد ليلاز: “المتشددون الراديكاليون، الذين يتصرفون دون استراتيجية واضحة، ركزوا فقط على مهاجمة الرموز السياسية وألحقوا أضرارًا بفضل عودة ترامب”. وأضاف: “هذا، إلى جانب التردد الكبير بشأن الإصلاحات الاقتصادية الكبرى، يشير إلى أننا نتجه نحو مأزق أعمق”.
وأوضح ترقي أن المتشددين لا ينوون إقالة بزشكيان، وأن كبار قادة النظام لن يسمحوا له بالاستقالة، لكنه أشار إلى ضرورة ابتعاد بزشكيان عن السياسات الاقتصادية “النيوليبرالية” التي يتبناها الإصلاحيون.
وخلال الأشهر التي سبقت إعادة ترامب فرض سياسة الضغوط القصوى، أبدى دبلوماسيون كبار في حكومة بزشكيان استعدادًا لمناقشة البرنامج النووي الإيراني مع واشنطن.
لكن بعد تدخل خامنئي، أعلن وزير الخارجية عباس عراقجي يوم الجمعة أن طهران لن تفاوض ما دامت سياسة ترامب قائمة. فيما قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إن طهران قد تدرس التفاوض بشأن “إمكانات عسكرة” برنامجها النووي، لكنها “لن” تناقش تفكيك البرنامج السلمي بالكامل.
ويرى محللون أن مصير بزشكيان يعتمد إلى حد كبير على علاقته بالمرشد الأعلى، والتي ما زالت حتى الآن قوية. ويعتقد بعض السياسيين أن خامنئي سيوفر له الحماية من أجل الحفاظ على الاستقرار.