في مشهد غير مألوف، يتابع الملايين في العالم العربي تطورات الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل كما لو كانوا يشاهدون مباراة رياضية مثيرة. المقاطع المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في لبنان، تُظهر الصواريخ وهي تشقّ السماء، وقد تحوّلت إلى خلفية درامية لحفلات الزفاف والعشاءات العائلية – مزج فريد بين الرعب والاحتفال.
وبحسب الإيكونومست البريطانية، لا تُخفي كثير من الشعوب العربية شماتتها من المشاهد التي تظهر فيها تل أبيب أو حيفا تحت القصف، خاصة في ظل ما شهدته غزة خلال العشرين شهراً الماضية من دمار ومجازر على يد الجيش الإسرائيلي. فحتى أولئك الذين كانوا، في وقتٍ ما، منفتحين على العلاقات مع إسرائيل، باتوا الآن يرون في هذه الضربات نوعاً من “العدالة الكونية”.
لكن اللافت أن هذا الشعور لا يصاحبه تعاطف مع الطرف الآخر في المعادلة: إيران. فالجمهورية الإسلامية التي أمضت عقوداً في تمويل وتسليح الميليشيات في دول عربية – من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن، وميليشيات متعددة في العراق – لم تحظَ بأي تعاطف شعبي حقيقي. على العكس، بدت الحرب فرصة لكثيرين للتنفيس عن غضبٍ مكبوت تجاه التدخلات الإيرانية في بلدانهم.
تطورات لافتة
بالنسبة لكثيرين في الخليج والمشرق، كان اختراق إسرائيل للمنظومة الأمنية الإيرانية، واغتيالها قادة بارزين داخل الأراضي الإيرانية، مصدر دهشة وارتياح في آن واحد.
فجهاز الحرس الثوري الذي أخضع المجتمعات العربية لسنوات من القمع والعنف بالوكالة، بدا عاجزاً عن حماية نفسه في الداخل.
وما زاد من وطأة السخرية الشعبية هو ما جرى في سوريا. فمع فرار الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر الماضي، بدا وكأن نظامه – الذي صمد طويلاً بفضل الدعم الإيراني – انهار فجأة.
أما اغتيال بعض قادة الحرس الثوري الذين قادوا حملات عسكرية في سوريا، فقد قوبل في دمشق بحفلات حلوى وفكاهات سوداء، من قبيل أن السفارة الإيرانية المغلقة في العاصمة السورية هي “المنشأة الإيرانية الوحيدة الآمنة حالياً”.
فرجة… ولكن بحذر رسمي
بينما تُشاهد الحرب كما لو كانت بثاً مباشراً لمباراة ليلية، لا يخلو المشهد من القلق. في الثمانينيات، تمنى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن “حظاً سعيداً للطرفين” في حرب العراق وإيران. اليوم، تكرّر المواقف ذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي العربية: نكات عن تحضير المكسرات والمشروبات لمتابعة الضربات المتبادلة كل مساء.
لكن على مستوى الحكومات، اللهجة مختلفة. قناة الجزيرة، المدعومة من قطر، ظهرت متعاطفة مع إيران في تغطيتها. السبب لا يعود فقط إلى العداء المشترك مع إسرائيل، بل أيضاً إلى المصالح الاقتصادية، خاصة في حقل الغاز المشترك بين البلدين (جنوب فارس).
في المقابل، جاءت تغطية الإعلام السعودي هادئة بشكل مفاجئ. المملكة التي لطالما اعتبرت إيران خصماً استراتيجياً، امتنعت هذه المرة عن استضافة شخصيات إسرائيلية متشددة، وحرصت على عدم إظهار نشوة مبالغ فيها بضعف طهران. السبب؟ الخوف من الانتقام الإيراني، كما حدث في هجوم “أرامكو” عام 2019. ويبدو أن الرياض تتخذ موقع الحياد التكتيكي، تحسباً لأي اتهام قد يطالها.
وبعيداً عن المشاعر الشعبية والمواقف الإعلامية، أكدت هذه الحرب من جديد التفوق العسكري والتكنولوجي لإسرائيل في الإقليم. فنجاحها في ضرب العمق الإيراني، سواء عبر غارات جوية دقيقة أو اغتيالات نوعية، جعل كثيراً من المراقبين العرب يعيدون تقييم ميزان القوى.
إسرائيل، رغم كل الانتقادات الدولية بشأن حربها على غزة، أثبتت أنها قادرة على تنفيذ عمليات معقدة في عمق أراضي العدو. أما إيران، التي استثمرت لسنوات في استراتيجية “الدفاع بالوكلاء”، فقد وجدت نفسها مكشوفة – في الداخل والخارج.
ورغم أن الحرب بين إيران وإسرائيل لا تشمل دولاً عربية حتى الآن، إلا أن آثارها النفسية والسياسية واضحة في المنطقة. شعور الفرجة يخفي خلفه قلقاً مشروعاً من اتساع رقعة النزاع، خاصة في ظل هشاشة الوضع الإقليمي. وبينما يراقب العرب هذه “المباراة”، تبقى العواقب مفتوحة على احتمالات خطرة – قد تصل إلى شرفات منازلهم في أية لحظة.