أعلن رئيس الوزراء الفرنسي الجديد سيباستيان لوكورنو، السبت، أنه قرر إلغاء مقترحات سلفه فرانسوا بايرو الرامية إلى إلغاء عطلتين رسميتين ضمن خطة تقشفية واسعة لتقليص الدين العام.
ويعكس القرار رغبة لوكورنو في تهدئة الشارع الفرنسي وتجنّب الدخول في مواجهات سياسية واجتماعية جديدة، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة مالية خانقة.
وقال لوكورنو في مقابلة مع عدد من الصحف الفرنسية: “لقد قررت التراجع عن إلغاء عطلتين رسميتين. لا أريد عدم استقرار ولا جمودًا”.
بهذا التصريح، يضع لوكورنو نفسه في مسافة واضحة من بايرو، الذي سقط في الثامن من سبتمبر بعد فشله في تمرير خفضين كبيرين في الميزانية أمام برلمان منقسم بشدة.
ويرى مراقبون أن التراجع عن المساس بالعطلات الرسمية، ذات الرمزية التاريخية والاجتماعية، يمثل خطوة تهدف إلى كسب ثقة الفرنسيين في بداية ولايته.
تحديات مالية ضخمة
تكافح فرنسا اليوم للسيطرة على دين عام يتجاوز 3.3 تريليون يورو، مع عجز في الموازنة يصل إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتجعل هذه الأرقام من تقليص الإنفاق أولوية لا مفر منها، لكن التجارب السابقة أظهرت أن إجراءات التقشف القاسية يمكن أن تثير غضبًا شعبيًا واسعًا، كما حدث مع احتجاجات “السترات الصفراء” قبل سنوات.
وبينما يرى اقتصاديون أن خفض النفقات ضرورة لتفادي أزمة ديون أوسع، يراهن لوكورنو على حل وسط يجمع بين الانضباط المالي والحفاظ على المكتسبات الاجتماعية.
برلمان منقسم
أحد أبرز التحديات أمام لوكورنو هو الانقسام الحاد في الجمعية الوطنية، الذي أدى إلى شلل سياسي منذ الانتخابات المبكرة التي دعا إليها الرئيس إيمانويل ماكرون العام الماضي.
رئيس الوزراء الجديد سيكون مضطرًا إلى بناء تحالفات برلمانية مرنة، سواء مع الاشتراكيين من يسار الوسط أو مع حزب الجمهوريين المحافظ، من أجل تمرير ميزانية 2026.
ويبدو أن خطوته بإلغاء المقترحات المثيرة للجدل حول الأعياد تهدف إلى إرسال إشارة إيجابية لهذه الأطراف، وإظهار استعداده للتنازل لتجنب الجمود السياسي.
ماكرون والبحث عن المنقذ
تعيين لوكورنو جاء بعد سلسلة من الإخفاقات الحكومية، إذ يُعد خامس رئيس وزراء في أقل من عامين. ويرى مراقبون أن الرئيس ماكرون يعتبره ورقته الأخيرة للخروج من مأزق الانقسام البرلماني وتجنب انهيار الثقة في مؤسسات الحكم.
لوكورنو نفسه حاول بث روح الطمأنينة، قائلاً خلال مراسم تسلّم منصبه إلى جانب بايرو: “أريد أن أقول للفرنسيين… إننا سنصل إلى هناك”.
ويرى مراقبون أن قرار لوكورنو التراجع عن إلغاء عطلتين رسميتين ليس مجرد خطوة تقنية في ملف الموازنة، بل رسالة سياسية تهدف إلى تهدئة الرأي العام، وإظهار نهج أكثر براغماتية ومرونة مقارنة بسلفه.
لكن الأزمة المالية العميقة والانقسام البرلماني ما زالا قائمين، وسيحدد النجاح أو الفشل في تمرير ميزانية مقبولة حجم قدرة رئيس الوزراء الجديد على الصمود في منصبه، بل وربما على إنقاذ ولاية ماكرون نفسها من مزيد من الاهتزاز.