يواجه لبنان اختباراً سياسياً وأمنياً بالغ الحساسية، بعد أن كشف نصّ مشروع قانون الدفاع الأمريكي لعام 2026 عن توجه واضح لربط المساعدات المقدمة للجيش اللبناني بمدى تقدّمه في تنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله، خصوصاً في الجنوب.
وبينما امتنعت السلطات اللبنانية عن التعليق المباشر على القانون، اكتفى مسؤولون حكوميون بالتأكيد أن الخطة الوطنية “تسير على المسار الصحيح”، وأن المراحل الأولى في طريقها إلى الاكتمال رغم الظروف المعقدة.
ووفق تصريحات لعدد من المسؤولين فإن الجيش اللبناني يقترب من إنهاء المرحلة الأولى من خطة الانتشار جنوب نهر الليطاني، وهي المنطقة التي شكّلت تاريخياً مسرح النفوذ العسكري الأكبر لحزب الله.
ورغم حساسية الخطوة، أشاد مجلس الوزراء اللبناني بالإنجاز باعتباره “تحوّلاً استراتيجياً” في مسار بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها.
وتستعد المؤسسة العسكرية لبدء المرحلة الثانية من الخطة بعد رأس السنة الجديدة، والتي تشمل المنطقة الممتدة بين الليطاني ونهر الأوّالي، في خطوة أكثر تعقيداً لاحتوائها على شبكات نفوذ سياسية وأمنية متشابكة.
المعادلة الأمريكية: الدعم مقابل نزع السلاح
بحسب الصيغة النهائية لمشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، فإن واشنطن ستعتمد نهج “المساعدات المشروطة”.
إذ يُطلب من وزير الدفاع ورئيس القيادة المركزية الأمريكية تقديم تقرير بحلول 30 يونيو 2026 يتضمن معايير واضحة لقياس تقدّم الجيش اللبناني في نزع سلاح حزب الله، إضافة إلى مقترحات لتعليق المساعدات إذا “تبيّن أن القوات المسلحة غير راغبة” في أداء المهمة.
يأتي هذا في وقت يعاني فيه لبنان من انهيار مالي جعل الجيش يعتمد بشكل شبه كامل على الدعم الخارجي. ففي أكتوبر الماضي، ضخت إدارة الرئيس ترامب حوالي 230 مليون دولار في مؤسسات الأمن اللبنانية. وفي أحدث دفعة، وافقت واشنطن على دعم بقيمة 237 مليون دولار، خُصصت معظمها للجيش.
وأكد متحدث أمريكي أن المساعدات تهدف لدعم “السيادة اللبنانية” وتسهيل “قرارات شجاعة لنزع سلاح حزب الله”.
ضغوط أمريكية… وأرضية لبنانية هشة
تتهم واشنطن وحلفاؤها حزب الله بإعادة بناء قواته جنوب الليطاني رغم اتفاق الهدنة مع إسرائيل في نوفمبر 2024، وهو ما نفته قيادة “اليونيفيل”، مؤكدة عدم وجود أي أدلة على نشاط عسكري جديد.
في المقابل، تلقي بيروت باللوم على إسرائيل، التي كثّفت هجماتها على الجنوب العام الماضي وواصلت احتلال خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية، ما أعاق تنفيذ الخطة بالكامل.
ورغم التوتر، بدأ الجيش اللبناني تعزيز نقاطه ومواقعه على خطوط التماس، في محاولة لفرض سلطة الدولة دون الانجرار إلى صدام مع الحزب أو إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
وتدرك الحكومة اللبنانية أن أي تحرك سريع أو صدامي في ملف نزع السلاح قد يشعل توتراً داخلياً خطيراً.
لذلك، يقول مسؤولون عسكريون إنهم يعتمدون “نهجاً تدريجياً محسوباً”، يأخذ في الاعتبار حساسية البيئة الاجتماعية والسياسية في الجنوب، والخشية من اندلاع مواجهات بين الجيش وأنصار حزب الله.
ويؤكد مسؤولون حكوميون أن الخطة “ليست استجابة لإملاءات خارجية”، بل حاجة وطنية لضمان احتكار الدولة لاستخدام القوة. وأضاف أحدهم: “هذه السياسة طُرحت في البيانات الوزارية للرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام قبل أشهر من الضغط الأمريكي”.
وشدد آخر على أن الولايات المتحدة “تريد ما يريده لبنان”، معرباً عن ثقته بأن واشنطن ستستمر في دعم الجيش.
زيارة ملغاة… ورسالة سياسية
في مؤشر على التوتر المستجد، ألغت واشنطن الشهر الماضي زيارة كانت مقررة لرئيس أركان الجيش اللبناني، اللواء رودولف هيكل، بعد بيان شديد اللهجة أصدره الجيش يندد بما وصفه بـ “هجمات العدو الإسرائيلي”.
كن مصادر مطلعة أوضحت أن ترتيبات جديدة جارية لإتمام الزيارة مطلع العام المقبل، في محاولة لإعادة ضبط العلاقة.
من جانبه، يرفض حزب الله مناقشة مسألة سلاحه قبل “انسحاب كامل لإسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة”، بما يشمل النقاط الخمس التي بقيت خارج اتفاق الهدنة.
ويرى الحزب أن الضغوط الأمريكية تستهدف “إضعاف محور المقاومة”، بينما يصر الجيش والحكومة على أن تنفيذ الخطة تدريجي وهادئ لتفادي صدام داخلي.