مع انعقاد قمة مجموعة السبع في منتجع جبلي بكندا، تحوّلت أروقة الاجتماعات الرفيعة إلى مسرح لصراع من نوع آخر، لا يدور حول السياسات فحسب، بل حول من سيكون الزعيم الأوروبي الأقدر على التأثير في الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ظل عالم متوتر بسبب الحرب التجارية وتصاعد التوترات الجيوسياسية من أوكرانيا إلى الخليج.
في هذا السياق، لا يخفي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر طموحه في أن يكون “همسة أوروبا” في أذن ترامب.
فعشية القمة، صرّح ستارمر بأنه يتمتع بـ”علاقة جيدة” مع ترامب، مشيرًا إلى أن نقاشات القمة ستتناول ملفات كبرى تشمل النزاع الروسي الأوكراني، والتصعيد الإيراني الإسرائيلي، والحرب التجارية التي تشعلها إدارة ترامب برسوم جمركية متزايدة.
بحسب مسؤول حكومي بريطاني، فإن التزامات لندن الأخيرة بزيادة الإنفاق الدفاعي منحت ستارمر ورقة قوية لمخاطبة ترامب ومطالبته بتقديم دعم أكبر لكييف، بما يعزز دور بريطانيا كجسر بين أوروبا والولايات المتحدة.
وأضاف المسؤول أن ترامب يفضّل أسلوب التفاوض المباشر والشخصي، ما يجعل العلاقة الفردية عاملاً حاسمًا في التأثير عليه.
لكن ستارمر ليس الوحيد الذي يزعم امتلاك مفاتيح النفاذ إلى عقل ترامب. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقدّم نفسه كأبرز زعيم أوروبي منذ عقد، ويتمتع بتاريخ طويل ومعقد من التعامل مع ترامب، أبرزها مصافحتهما الشهيرة التي تحوّلت إلى رمز لصراع الإرادات بين الطرفين.
أما رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، فتعوّل على تقاربها الأيديولوجي مع الرئيس الأميركي، وانتمائها إلى المعسكر القومي الذي يتماهى مع شعار “لنجعل أميركا عظيمة مجددًا”. وبحسب سياسيين من حزبها، فإن ميلوني لا ترى في ترامب مجرد زعيم غربي، بل شريكًا في “القومية الغربية” التي تسعى لتعزيزها في أوروبا.
في هذا المشهد التنافسي، يرى مراقبون أن “استراتيجية قنبلة الحب” التي اعتمدها ستارمر تجاه ترامب منذ لقائهما في البيت الأبيض في مارس الماضي قد أتت أُكلها، حيث ظهر رئيس الوزراء البريطاني وهو يربّت على ذراع ترامب خلال ظهورهما المشترك، في مشهد نادر بالنسبة لرجل إنجليزي في الستين من عمره.
ويرى مساعدو ستارمر أن هذا اللقاء أسّس لعلاقة دافئة بين الزعيمين، تُوّجت باتفاق مبدئي على خفض الرسوم الجمركية بين البلدين، رغم أن التنفيذ الكامل للاتفاق ما زال مؤجلاً.
واعتبر مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون أن على ستارمر “توخّي الحذر” في مقدار رأسماله السياسي الذي يراهن به على ترامب، محذّرًا من أن ترامب لا ينسى بسهولة.
في الجانب الأوروبي، كان الموقف الجماعي أكثر صرامة، لا سيما في ما يتصل بملف العقوبات على روسيا.
فقد دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى خفض سقف سعر النفط الروسي إلى 45 دولارًا للبرميل، في محاولة لخنق التمويل الذي يُغذي آلة الحرب الروسية. وأكدت بريطانيا تأييدها لهذا الطرح، في ما بدا توافقًا نادرًا داخل الصف الغربي.
غير أن ترامب، بحسب مستشاره السابق فريد فليتز، يشعر بأن الاتحاد الأوروبي “يُقلل من احترامه”، ويتهمه بالتحامل السياسي.
وأضاف فليتز أن ترامب قد يلجأ إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا خلال الأسابيع المقبلة، مع الإبقاء على باب المفاوضات مفتوحًا، في محاولة لاستعادة زمام المبادرة.
وتبقى جورجيا ميلوني مرشحة بارزة للعب دور الوسيط غير التقليدي. فهي لا تكتفي بعلاقتها الوثيقة مع ترامب، بل وسّعت نفوذها من خلال تنسيق لقاءات بين شخصيات من حزبها مثل جيه دي فانس ومسؤولين أوروبيين.
ويرى برلمانيون من حزب “إخوان إيطاليا” أن ميلوني أكثر قدرة على مخاطبة ترامب بلغة السياسة الشعبوية التي يفهمها، على عكس “النخب الليبرالية” مثل ستارمر وماكرون.
ويعكس هذا التنافس الأوروبي – في “مغازلة ترامب” – إدراكًا عميقًا بأن سياسات واشنطن في عهد ترامب الثاني تُبنى بدرجة كبيرة على العلاقات الشخصية، وليس على المؤسسات أو المصالح التقليدية.
في خضم كل ذلك، ستراقب وسائل الإعلام العالمية تفاعلات قمة كاناناسكيس عن كثب، بحثًا عن لحظات تظهر من يمتلك بالفعل التأثير الأكبر على الرئيس الأميركي، ومن سينجح في تحويل ذلك إلى خطوات عملية في القضايا الكبرى، من أوكرانيا إلى الرسوم التجارية، وصولًا إلى سياسة الطاقة والشرق الأوسط.