فتحت السلطات الفرنسية تحقيقًا قضائيًا واسعًا بعد ضبط برامج تجسس متطورة على متن سفينة كانت راسية في ميناء سيت، جنوب فرنسا، في واقعة أثارت مخاوف جدية من عملية استخباراتية أجنبية تستهدف البنية التحتية الحساسة في البلاد.
وقال وزير الداخلية الفرنسي، لوران نونيز، في تصريح لإذاعة «فرانس إنفو» يوم الأربعاء، إن أفرادًا حاولوا اختراق نظام تكنولوجيا المعلومات الخاص بسفينة مدنية، مؤكدًا أن «المحققين يشتبهون في أن العملية تقف خلفها جهة أجنبية».
وأضاف أن التحقيقات لا تزال في مراحلها الأولى، لكنها تُدار باعتبارها قضية تمس الأمن القومي.
وبحسب ما أفاد به مكتب المدعي العام في باريس، تلقت السلطات الفرنسية معلومات استخباراتية من نظيرتها الإيطالية تفيد بوجود اختراق رقمي لنظام المعلومات الخاص بالعبّارة، تم عبر أداة وصول عن بُعد عالية التقنية.
وعلى إثر ذلك، باشرت النيابة العامة تحقيقًا قضائيًا رسميًا، وأسندت مهمة التحقيق إلى المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI)، وهي جهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسي.
وكانت السفينة راسية في ميناء سيت، أحد الموانئ الحيوية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، عندما تم رصد الاختراق.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن الأداة المضبوطة قادرة على النفاذ إلى أنظمة تكنولوجيا المعلومات والتحكم بها عن بُعد، ما يثير مخاوف من إمكانية استخدامها في أعمال تجسس أو تخريب أو جمع معلومات حساسة.
وأعلنت السلطات توقيف شخصين من أفراد طاقم السفينة، أحدهما يحمل الجنسية البلغارية والآخر الجنسية اللاتفية، وذلك يوم الجمعة الماضي.
وأوضح مكتب المدعي العام أن المشتبه البلغاري أُطلق سراحه لاحقًا بعد استجوابه، في حين لا يزال المشتبه اللاتفي قيد الاحتجاز، وقد وُجّهت إليه تهمة «التآمر لاختراق نظام معالجة بيانات لصالح دولة أجنبية».
وأضاف الادعاء العام أن التحقيقات امتدت إلى خارج فرنسا، حيث جرى فتح مسار قضائي موازٍ في لاتفيا بالتنسيق مع السلطات المحلية، في إطار التعاون القضائي والأمني الأوروبي.
وذكرت صحيفة «لو باريزيان»، التي كانت أول من كشف تفاصيل القضية، أن عملاء الاستخبارات الفرنسية صادَروا من السفينة جهاز تجسس متطور يُستخدم لاختراق الأنظمة الرقمية والتحكم بها عن بُعد.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية أن الشبهات تتجه نحو تورط روسي محتمل في العملية، في ظل تصاعد أنشطة الحرب الهجينة المنسوبة إلى موسكو في أوروبا.
غير أن وزير الداخلية الفرنسي شدد على أن السلطات لم تُسمِّ رسميًا أي دولة بعينها تقف خلف العملية.
وقال نونيز إن «التحقيق لم يصل بعد إلى مرحلة توجيه اتهام لدولة محددة»، مضيفًا أن العثور على مثل هذه المعدات «ليس سابقة»، في إشارة إلى تكرار محاولات مشابهة خلال السنوات الأخيرة.
وتأتي هذه القضية في سياق أمني متوتر، حيث أبلغت فرنسا مؤخرًا عن عدة حوادث يُشتبه في كونها جزءًا من عمليات حرب هجينة، من بينها تحليق طائرات مسيّرة فوق منشآت عسكرية حساسة، بما في ذلك قاعدة غواصات استراتيجية، إضافة إلى محاولات زعزعة استقرار استهدفت معالم بارزة في العاصمة باريس.
وتعكس هذه التطورات تصاعد القلق داخل الأجهزة الأمنية الفرنسية من استهداف البنية التحتية المدنية والعسكرية على حد سواء، في ظل بيئة أمنية أوروبية متوترة، وحرب استخبارات مفتوحة تتخذ أشكالًا رقمية وتكنولوجية متقدمة، تتجاوز ساحات الصراع التقليدية.