ستارمر في مواجهة العزلة: الحذر تجاه غزة يعمّق الانقسامات داخل حزب العمال

by hayatnews
0 comment

مع تصاعد المأساة الإنسانية في قطاع غزة، يجد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر نفسه أكثر عزلة داخل حزب العمال الذي يتزعمه، وسط انتقادات متزايدة لرفضه الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية في وقت يتخذ فيه قادة عالميون خطوات أكثر جرأة.

رغم تعاطفه المبدئي مع فكرة الاعتراف، يصرّ ستارمر على أن “الوقت لم يحن بعد”، معتبرًا أن الاعتراف لا يجب أن يكون مجرد “لفتة رمزية”، بل جزءًا من تسوية سلمية شاملة. هذا الموقف الحذر جعله في مواجهة مباشرة مع عدد متزايد من نوابه، وحتى مع بعض وزرائه، الذين يعتقدون أن الحزب يُفرّط بسمعته الأخلاقية ويُخاطر بخسارة دعم قاعدة واسعة من الناخبين.

ضغط داخلي وتصاعد الاستياء

وقع 221 نائبًا من مختلف الأحزاب، بينهم عدد كبير من نواب حزب العمال، على رسالة تطالب بالاعتراف الفوري بفلسطين. وفي الوقت ذاته، عبّر نواب من المقاعد الخلفية في الحزب عن إحباطهم من بيان ستارمر الأخير، واصفين إياه بأنه “مجرد كلام دون أفعال”، ومعتبرين أنه “لم يرقَ إلى لحظة الحقيقة”.

وقال أحد النواب البارزين، طلب عدم كشف هويته: “كير يتخذ موقفًا أكثر حذرًا بكثير من أي شخص آخر في الحزب تقريبًا. هذا الانفصال بينه وبين قاعدته أصبح واضحًا جدًا”.

حليف ترامب أم محامٍ متردد؟

يرى مراقبون أن أحد الأسباب وراء هذا التردد يعود إلى حرص ستارمر على عدم إغضاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خاصة مع الجهود التي بذلها خلال العام الماضي لترميم العلاقات بين لندن وواشنطن. ترامب، الذي رفض خطوة ماكرون بشأن الاعتراف بفلسطين، سبق أن حذّر من “أي تحركات غير محسوبة” من الحلفاء.

وقال بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي البريطاني السابق، إن “الاعتبار الأميركي كان عاملاً مؤثراً بلا شك”، فيما ربط دبلوماسي بريطاني آخر حذر ستارمر بخلفيته القانونية، موضحًا أن الأخير يتساءل قانونيًا “ما الذي سيعترف به بالضبط؟”، في ظل غياب حدود رسمية ومعترف بها للدولة الفلسطينية.

“تحالف الراغبين”.. بديل رمزي

يحاول ستارمر تقديم نفسه كقائد دبلوماسي مسؤول عبر تبنيه مبادرة يصفها بـ”مساره الخاص نحو السلام”، مشابهًا إياها بـ”تحالف الراغبين” الذي دعا إليه سابقًا لدعم أوكرانيا. ورغم ضبابية هذه المبادرة، فإنه ناقشها مع ترامب خلال لقائهما في اسكتلندا، دون الكشف عن تفاصيلها حتى الآن.

في المقابل، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الاعتراف بفلسطين في سبتمبر، ما صعّد من الضغوط على بريطانيا للانضمام إلى ركب الدول الأوروبية التي تسعى لخطوات أكثر جرأة.

الناخبون قد لا يسامحون

الخوف الأكبر داخل حزب العمال لا يتعلق فقط بانقسامات داخلية، بل بـ”الضرر الانتخابي البعيد المدى”، وفق وصف أحد النواب، الذي قال: “الناخبون لن يسامحونا إن واصلنا الوقوف متأخرين في القضايا الإنسانية الجوهرية”.

ويرى بعض نواب الحزب أن الفرصة لا تزال قائمة لتعديل الموقف، على الأقل في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد زيارة ترامب الرسمية المرتقبة في سبتمبر، إذ قد يكون ذلك لحظة مناسبة لبريطانيا للاعتراف الرسمي بفلسطين، من دون الإضرار بالعلاقة مع واشنطن.

الحذر قد يكون مكلفًا

حتى داخل الفريق الحكومي، هناك من يحذر من أن الإفراط في الحذر يُضعف صورة الحزب أمام الجمهور. كتب جون بيرس، رئيس مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، أن الاعتراف بدولة فلسطينية الآن “سيقلل من قدرة بريطانيا على الوساطة المحايدة”، لكنه أقر في الوقت ذاته أن التحديات الإنسانية في غزة “تستوجب ردًا أخلاقيًا حاسمًا”.

وفي ظل احتدام النقاش داخل الحزب وبين الحلفاء الدوليين، فإن ستارمر يواجه معضلة حقيقية: هل يتمسك بالحذر القانوني والدبلوماسي، أم يستجيب للمزاج الشعبي المتنامي المطالب بالاعتراف الفوري بفلسطين؟

وبينما تتجه الأنظار إلى مؤتمر الأمم المتحدة هذا الأسبوع، تبقى بريطانيا في موقف مراقب حذر، وسط تخوف متصاعد من أن يكون التردد قد كلف الحزب ثقة شريحة واسعة من الناخبين البريطانيين.

“لقد كنا متأخرين دومًا”، قال نائب في الحزب، مضيفًا: “وهذا قد لا يُغتفر في أعين من ينتظرون منّا موقفًا شجاعًا وواضحًا”.

You may also like

Leave a Comment