أفادت تقارير إعلامية بأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أبدى استعداد كييف للتخلي عن مطلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، شريطة الحصول على ضمانات أمنية قوية وملزمة من الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، في إطار المحادثات الجارية بشأن اتفاق سلام محتمل مع روسيا.
وبحسب ما نقلته صحيفة فايننشال تايمز، قال زيلينسكي خلال حديثه للصحفيين في محادثة جماعية إن أوكرانيا باتت تركز على “ضمانات أمنية ثنائية بين أوكرانيا والولايات المتحدة، شبيهة بالمادة الخامسة” من ميثاق الناتو، إلى جانب ضمانات إضافية من الدول الأوروبية وحلفاء آخرين مثل كندا واليابان.
وتشير المادة الخامسة إلى مبدأ الدفاع الجماعي الذي يُلزم دول الحلف بالدفاع عن أي عضو يتعرض لهجوم.
ويُعد هذا التصريح، إذا تأكدت دلالاته السياسية، من أبرز الإشارات حتى الآن إلى استعداد كييف لإبداء مرونة في أحد أكثر الملفات حساسية، بعدما شكّل السعي للانضمام إلى الناتو محوراً أساسياً في السياسة الخارجية الأوكرانية منذ اندلاع الحرب الروسية الشاملة في فبراير 2022.
ولطالما اعتبرت موسكو مساعي أوكرانيا للانضمام إلى الناتو خطاً أحمر وتهديداً مباشراً لأمنها القومي، واستخدمت هذا الملف مراراً لتبرير هجومها العسكري.
وفي المقابل، أصرت كييف وحلفاؤها الغربيون على أن قرار الانضمام إلى أي تحالف هو حق سيادي لا يمكن لروسيا فرض الفيتو عليه.
لكن تصريحات زيلينسكي الأخيرة تعكس إدراكاً متزايداً داخل القيادة الأوكرانية لتعقيدات المشهد الدولي، ولحقيقة أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يواجه معارضة ضمنية أو صريحة من بعض الدول الأعضاء، التي تخشى الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.
وفي هذا السياق، تسعى كييف إلى صيغة بديلة تضمن لها مظلة أمنية فعالة دون العضوية الرسمية في الحلف، عبر اتفاقيات دفاع ثنائية ومتعددة الأطراف تضمن تدخلاً سريعاً في حال تعرضها لأي عدوان مستقبلي.
وتأتي تصريحات زيلينسكي في وقت يعمل فيه قادة أوكرانيا وأوروبا على مراجعة خطة سلام من 20 نقطة صاغتها الولايات المتحدة، وتتضمن، وفق تسريبات، تنازلات إقليمية لصالح روسيا في مناطق تخضع حالياً لسيطرتها العسكرية.
وقال زيلينسكي إنه لم يتلق حتى الآن أي رد رسمي من البيت الأبيض بشأن التعديلات التي اقترحتها كييف وحلفاؤها الأوروبيون على الخطة، ما يعكس استمرار حالة الغموض التي تحيط بالموقف الأميركي النهائي من شكل التسوية المحتملة.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الخلافات لا تزال كبيرة حول مصير الأراضي الأوكرانية المحتلة، وآليات الضمان الأمني، وتوقيت وقف إطلاق النار، فضلاً عن العقوبات المفروضة على روسيا.
وقد تزامنت هذه التصريحات مع حراك دبلوماسي مكثف في العواصم الأوروبية الكبرى، حيث ناقش مسؤولون من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، يوم الأحد، مقترحات إنهاء الحرب، تمهيداً لاجتماع رفيع المستوى من المقرر عقده يوم الاثنين بمشاركة قادة هذه الدول.
ومن المتوقع أن يلتقي المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف بالرئيس الأوكراني في برلين، حيث سيستضيفه المستشار الألماني فريدريش ميرز، في محاولة لدفع المفاوضات قدماً وتقريب وجهات النظر بين واشنطن وكييف والعواصم الأوروبية.
ويرى مراقبون أن ألمانيا وبريطانيا وفرنسا تسعى إلى لعب دور أكبر في صياغة أي اتفاق سلام، خشية أن يتم فرض تسوية لا تراعي المصالح الأمنية الأوروبية أو تقوّض النظام الأمني للقارة.
ويمثل استعداد زيلينسكي للتنازل عن هدف الانضمام إلى الناتو مخاطرة سياسية داخلية كبيرة، نظراً للدعم الشعبي الواسع لهذا الخيار في أوكرانيا، وارتباطه برمزية الانفكاك النهائي عن النفوذ الروسي. كما يثير تساؤلات حول مدى قوة وموثوقية الضمانات البديلة التي قد تحصل عليها كييف، مقارنة بعضوية كاملة في الحلف.
وفي المقابل، يرى أنصار هذا التوجه أن الأولوية القصوى هي إنهاء الحرب ومنع تكرار العدوان، حتى لو تطلب ذلك حلولاً وسطية مؤلمة، شرط أن تكون الضمانات الأمنية واضحة وملزمة وقابلة للتنفيذ.
ومع استمرار المشاورات الدبلوماسية وتكثف الضغوط الدولية، يبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الإشارات ستتحول إلى تحول استراتيجي فعلي، أم مجرد مناورة تفاوضية في واحدة من أعقد الأزمات الجيوسياسية في العصر الحديث.