دمشق تشكو “جمود” اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية

by hayatnews
0 comment

صرح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بأنه لم تُتخذ خطوات ملموسة لتنفيذ اتفاق مارس/آذار القاضي بدمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في جيش وطني جديد تديره دمشق، رغم مرور أشهر على توقيعه.

وأكد الشيباني في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة: “مع الأسف، بقيت جميع تلك المناقشات حبرًا على ورق. ندعو قسد إلى تنفيذ ما تم التوصل إليه من توافق حتى الآن”.

وتأتي تصريحات الشيباني غداة محادثات رفيعة في دمشق ضمّت الرئيس السوري أحمد الشرع والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك وقائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر، في إطار مسعى أميركي لـتسهيل الحوار بين الحكومة السورية وقيادة قسد.

وبعد اجتماع دمشق، توجه باراك وكوبر إلى الحسكة للقاء القائد العام لقسد مظلوم عبدي. ولم تكشف الخارجية الأميركية تفاصيل إضافية، لكنها شددت على أن تنفيذ اتفاق 10 مارس “حاسم لاستقرار سوريا ولمصالح تركيا والولايات المتحدة”، بحسب ما نشره باراك على منصة X.

اشتباكات محلية وتوترات متقاطعة

ميدانيًا، ألقت اشتباكات حلب الأخيرة بظلالها على الجهود السياسية. إذ سيطرت وحدات من قسد على حَيّي الشيخ مقصود والأشرفية ذوي الأغلبية الكردية، فيما أقامت قوات الأمن السورية حواجز وقطعت الطرق المؤدية إليهما بعد هدنة أوقفت القتال.

وترى دمشق أن بطء تنفيذ ترتيبات الاندماج يُفاقم الاحتكاك المحلي، ويؤخر عودة الخدمات، ويصعّب مكافحة الإرهاب. وقال الشيباني إن “بعض الأخطاء السياسية والاقتصادية” ساهمت في البطء دون تفصيل، لكنه شدد على رفض أي انقسام مجتمعي.

وتكتسب القضية حساسية إضافية لأن مناطق سيطرة قسد تقع فوق أهم موارد سوريا الطبيعية من نفط وغاز وسدود رئيسية. وتنتقد دمشق تأخر تسليم سد تشرين الواقع بين حلب والرقة لسلطة الحكومة المركزية، وتعدّه مؤشرًا على “تقاعس” من جانب قسد عن تنفيذ بنود الثقة المتبادلة.

شروط قسد ومواقف الأطراف

تؤكد قسد أنها لا تعارض الاندماج ضمن جيش وطني، لكنها تطالب بقدر من الاستقلالية التنظيمية لوحداتها داخل التشكيل الجديد، وبهياكل حكم تتضمن عناصر فيدرالية في الإدارة المحلية. وتعارض دمشق أي صيغة حكم ذاتي أو فيدرالية، وتصر على مركزية الدولة مع ضمان حقوق الأقليات.

ويرى مراقبون أن المجازر والانتهاكات الواسعة خلال سنوات الحرب، والتي طالت أقليات عدة، عززت لدى قسد نزعة الاحتفاظ بضمانات استقلال عملياتي وإداري.

من جهتها، تضغط تركيا بقوة لتسريع تنفيذ الاتفاق، معتبرة أن وجود الميليشيات الكردية على حدودها الجنوبية تهديد للأمن القومي، وترى في قسد امتدادًا لـحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف لديها ولدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

ورغم إعلان حلّ حزب العمال الكردستاني في يوليو/تموز، قالت مجموعات كردية مسلحة في سوريا إن القرار لا ينطبق عليها. وأكد فيدان: “لا ينبغي لأي منظمة إرهابية أن تستفيد من عدم الاستقرار في سوريا، بما يخلق تهديدات للمنطقة ولتركيا”.

وساطة أميركية وضغوط متبادلة

تعمل واشنطن على ترتيب سُلّم أولويات يسمح بتحريك الاتفاق دون انفجار ميداني. ويقع جزء من جهودها في جعل بنود الدمج تدريجية: هيكلة القيادة، دمج الكوادر، ترتيبات الموارد والمنشآت الإستراتيجية (السدود والحقول)، وتحديد قواعد اشتباك تمنع الاحتكاك خلال الفترة الانتقالية.

وتناقش الأطراف أيضًا صيغة أمن داخلي تُطمئن دمشق، وتمنح قسد ضمانات تمثيل وإدارة في مناطقها، وتستجيب في الوقت نفسه للخطوط الحمراء التركية.

لكن نقاط العقد لا تزال كثيرة: من يقود ماذا؟ كيف توزَّع الصلاحيات العسكرية والإدارية؟ ما مصير القوات الخاصة وقوات الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية؟ وكيف تُدار المنافذ والموارد بما يمنع اقتصاد الظلّ وازدواجية الجباية؟ الإجابات المرحلية تحاول الجمع بين مركزية القرار الأمني للدولة من جهة، ومصالح القوى المحلية وحسابات الجوار من جهة أخرى.

أنقرة–دمشق: تعاون عسكري صاعد

يأتي هذا الحراك بينما تتكرّس قنوات أمنية–عسكرية بين أنقرة ودمشق منذ زيارة الشيباني في أغسطس/آب الماضي ضمن وفد وزاري كبير، حيث وُقّعت اتفاقية تدريب واستشارات عسكرية.

وتقول وزارة الدفاع التركية إن أنقرة ستقدم دعمًا بريًا وبحريًا وجويًا لتطوير قدرات الحكومة السورية، ما يُظهر تحوّل تركيا إلى فاعل تأثير مباشر على تموضع دمشق بعد سقوط نظام الأسد.

ويتقاطع ملف دمج قسد مع مصالح متعارضة: مركزية الدولة السورية، الهواجس التركية، مطالب قسد بـضمانات أمنية وإدارية، والوساطة الأميركية الساعية لإغلاق ثغرات الفراغ الأمني شرقي الفرات.

وحتى اللحظة، لا تقدم في التنفيذ العملي لاتفاق مارس، لكن كثافة الاتصالات (دمشق، أنقرة، الحسكة) تعكس إدراكًا جماعيًا أن البديل عن الدمج المنظم هو عودة الاشتباكات واتساع الفراغ الذي قد تستفيد منه خلايا داعش والاقتصادات غير الرسمية.

ونجاح المسار مرهون بصفقة دقيقة تراعي الهندسة الأمنية لشرق سوريا وتوازنات الجوار—وإلا بقي الاتفاق حبرًا على ورق كما قال الشيباني.

You may also like

Leave a Comment