ألغى الاتحاد الأوروبي التصويت المقرر هذا الأسبوع على هدفه الجديد لخفض الانبعاثات بحلول عام 2040، بعد أن عارضت عدة دول كبرى، بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا، المضي قدمًا دون مناقشة سياسية أوسع على مستوى القادة. ويثير القرار مخاوف من أن يفشل الاتحاد في الالتزام بموعده النهائي لتقديم خطة مناخية لعام 2035 إلى الأمم المتحدة بنهاية سبتمبر/أيلول، وفقًا لما أكده ستة دبلوماسيين لصحيفة بوليتيكو.
وقد كان من المقرر أن يجتمع وزراء البيئة في بروكسل يوم 18 سبتمبر/أيلول للتصويت على أهداف المناخ لعامي 2035 و2040، في إطار التزامات الاتحاد بموجب اتفاق باريس. لكن الرئاسة الدنماركية للمجلس قررت إلغاء التصويت بعد أن ظهر ما يُسمى بـ”الأقلية المعطلة”، حيث طالبت 11 دولة من أصل 27، بينها قوى كبرى، بتأجيل النقاش لحين انعقاد القمة الأوروبية المقبلة في أكتوبر.
واعترف وزير المناخ الدنماركي لارس آجارد بصعوبة المفاوضات، قائلاً:
“لطالما كان هدفنا التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت، لكن من الواضح أن عدداً من الدول تريد أن يناقش رؤساء الحكومات هذه القضية قبل أي تصويت وزاري.”
الانقسامات داخل الاتحاد
اقترحت المفوضية الأوروبية خفض الانبعاثات بنسبة 90% عن مستويات 1990 بحلول عام 2040. لكن المقترح يواجه انقسامات حادة:
المؤيدون: دول الشمال والغرب الأوروبي التي ترى أن الهدف ضروري لمواكبة التزامات اتفاق باريس وضمان انتقال طاقي حقيقي.
المتحفظون: ألمانيا وفرنسا وبولندا وإيطاليا، التي تطالب بوقت إضافي لتقييم التأثيرات الاقتصادية، خصوصًا على الصناعات الثقيلة وقطاع الطاقة.
المترددون: دول مثل التشيك والمجر ورومانيا ومالطا وسلوفاكيا التي انضمت إلى معسكر التأجيل.
النتيجة: تزايد خطر إضعاف الهدف أو تأجيله إلى ما بعد القمة الأوروبية في أكتوبر.
خيارات مطروحة
عرضت الدنمارك ثلاثة مسارات ممكنة أمام الدول الأعضاء:
إلغاء التصويت على هدفي 2035 و2040 معًا، وهو ما يعني أن الاتحاد الأوروبي سيصل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة “خالي الوفاض”، في وقت تطالب فيه البرازيل، رئيسة قمة المناخ المقبلة (COP30)، الدول الموقعة على اتفاق باريس بتقديم أهدافها بحلول 24 سبتمبر.
تأجيل هدف 2040 فقط، مع تمرير هدف 2035 في الموعد، لكن بصيغة أضعف (خفض بنسبة 66% بدلًا من 72.5%).
بيان نوايا مؤقت، يتضمن نطاقًا تقديريًا لهدف 2035، على أن يتم تحديثه لاحقًا بعد حسم هدف 2040.
وبحسب دبلوماسي أوروبي، الخيار الثاني أو الثالث هما الأكثر واقعية، لكنهما يضعفان موقف الاتحاد التفاوضي أمام الملوثين الكبار مثل الصين والهند والولايات المتحدة.
تداعيات التأجيل
يضع تأجيل القرار الاتحاد الأوروبي في موقف صعب على الساحة الدولية:
فقدان القيادة المناخية: أوروبا طالما اعتبرت نفسها رائدة في الدبلوماسية المناخية، لكن عجزها عن الاتفاق على هدف 2040 قد يُضعف مصداقيتها.
مخاطر اقتصادية: غياب الوضوح بشأن أهداف الانبعاثات يعقّد خطط الاستثمار في الطاقة المتجددة والصناعات الخضراء، ويؤثر على سوق الكربون الأوروبية.
انقسامات سياسية: الخلاف يعكس الصراع بين الطموح البيئي والضغوط الاقتصادية، خاصة في ظل التضخم وارتفاع أسعار الطاقة منذ الحرب في أوكرانيا.
مواقف الدول الكبرى
ألمانيا: تريد مناقشة إضافية على مستوى القادة، وتخشى من الأثر على صناعتها الثقيلة وصادراتها.
فرنسا: تسعى لضمان دور الطاقة النووية كجزء من أي استراتيجية مناخية، ما يجعلها متحفظة على التزامات صارمة دون ضمانات.
بولندا وإيطاليا: تعتبران أن خفض الانبعاثات بنسبة 90% بحلول 2040 طموح مبالغ فيه، وتطالبان بمهلة أطول للتحول الطاقي.
في المقابل، تدفع دول الشمال والبلطيق نحو حسم سريع، معتبرة أن التأجيل يضر بمكانة الاتحاد.
ما بعد التأجيل
من المقرر أن يعقد القادة الأوروبيون نقاشًا استراتيجيًا في قمتهم يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول، برئاسة رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، للبحث عن “أفضل استراتيجية اقتصادية لتحقيق الأهداف المناخية”.
حتى ذلك الحين، ستعمل الدنمارك على محاولة تثبيت نص وسط يوازن بين الطموحات البيئية والهواجس الاقتصادية، بهدف التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية العام.