أثار تحرّك المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من دولة الإمارات، لتوسيع سيطرته العسكرية في جنوب اليمن، موجة جديدة من المخاوف بشأن احتمال انهيار حالة الهدوء النسبي التي تشهدها البلاد منذ أشهر، وعودة الصراع إلى واجهة المشهد، ولكن هذه المرة بين أطراف يفترض أنها تقف في خندق واحد ضمن معسكر الحكومة المعترف بها دوليًا.
وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي أن قواته واصلت، التقدّم باتجاه محافظة جديدة في الجنوب، في إطار مساعيه لتعزيز نفوذه على الأرض، حتى لو جاء ذلك على حساب حلفائه في الحكومة اليمنية.
ويأتي هذا التحرك بعد أن تمكّن المجلس خلال الأسابيع الماضية من فرض سيطرته على معظم محافظتي حضرموت والمهرة، بما في ذلك مواقع استراتيجية تضم منشآت نفطية حيوية ومعابر حدودية مع سلطنة عُمان، ما اعتُبر تحولًا ميدانيًا بالغ الحساسية.
ويرى مراقبون أن هذا التوسّع يعكس طموح المجلس الانتقالي لإعادة رسم خريطة السيطرة في جنوب اليمن، مستفيدًا من حالة الجمود العسكري مع جماعة الحوثي، ومن حالة الانقسام داخل معسكر الشرعية.
وفي الوقت ذاته، أثار هذا الواقع قلقًا إقليميًا ودوليًا من أن تتحول الخلافات الجنوبية–الجنوبية إلى صراع مفتوح يهدد ما تبقى من مساعي التهدئة.
وبحسب مسؤول حكومي يمني، فضّل عدم الكشف عن اسمه، فإن الجهود التي تقودها المملكة العربية السعودية لاحتواء التوترات في الجنوب لم تُفضِ حتى الآن إلى نتائج ملموسة.
وأوضح أن المجلس الانتقالي يرفض سحب قواته من المناطق التي سيطر عليها مؤخرًا، رغم الضغوط السياسية، ما يعقّد مهمة الرياض الساعية إلى منع تفكك الجبهة المناهضة للحوثيين.
ويعيش اليمن منذ أكثر من عقد على وقع حرب أهلية مركّبة، تتداخل فيها الانقسامات السياسية والمناطقية مع الصراع الإقليمي.
ففي حين تسيطر جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران على شمال البلاد ومناطقها الأكثر كثافة سكانية، بما في ذلك العاصمة صنعاء، تدعم السعودية والإمارات، إلى جانب أطراف أخرى، الحكومة المعترف بها دوليًا في الجنوب.
غير أن هذا الدعم لم يمنع بروز صراعات داخلية بين مكونات هذا المعسكر نفسه.
وفي هذا السياق، أعلنت القوات المسلحة الجنوبية، الذراع العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي، انطلاق عملية عسكرية جديدة في محافظة أبين.
وقالت في بيان إن العملية تأتي ضمن ما يُعرف بـ«سهام الشرق»، وهي حملة أُطلقت عام 2022، وتهدف – وفق رواية المجلس – إلى ملاحقة عناصر تنظيم القاعدة في المناطق الشرقية من المحافظة.
ونشر المتحدث باسم القوات، المقدم محمد النقيب، صورًا تُظهر آليات مدرعة وقوات تتقدّم باتجاه أبين، مؤكدًا أن العملية تشمل «هجومًا فوريًا على عدة أهداف»، من دون تقديم تفاصيل إضافية.
وتكتسب أبين أهمية استراتيجية خاصة، نظرًا لموقعها المطل على خليج عدن، ودورها كحلقة وصل برية بين مدن الجنوب ومحافظة المهرة المتاخمة لسلطنة عُمان.
ويرجّح محللون أن هذا التقدم سيزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري، خصوصًا أنه يأتي في وقت تحاول فيه السعودية تثبيت تفاهمات تهدئة داخلية، لمنع انزلاق الجنوب إلى مواجهة جديدة.
ويشير المسؤول الحكومي إلى أن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، الذي يشغل في الوقت ذاته منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، يصرّ على المضي في مشروعه السياسي والعسكري، رغم التحذيرات من تداعيات ذلك.
وفي تصريحات أدلى بها خلال اجتماع داخلي، قال الزبيدي إن الجنوب يقف عند «مفترق طرق وجودي»، معتبرًا أن المرحلة المقبلة يجب أن تُكرّس لبناء مؤسسات «دولة جنوبية عربية مستقبلية»، وهو خطاب يعكس بوضوح النزعة الانفصالية التي يتبناها المجلس.
وفي موازاة ذلك، دعا الزبيدي في لقاء منفصل إلى توجيه الجهود نحو استعادة صنعاء من سيطرة الحوثيين، «سلمًا أو حربًا»، في خطاب يجمع بين الطموح العسكري والرسائل السياسية المتناقضة.
ومع استمرار الجمود في جبهة القتال مع الحوثيين، بعد تفاهمات غير معلنة خفّفت من وتيرة المواجهات بين الجماعة والتحالف الذي تقوده السعودية، تبدو الساحة اليمنية مهيأة لموجة جديدة من الصراعات الداخلية. وهو سيناريو قد يعيد البلاد إلى نقطة الصفر، ويقوّض أي آمال بسلام شامل، في ظل تعدد الأجندات وتضارب المصالح الإقليمية والمحلية.