قالت صحيفة بوليتيكو إن دولة الإمارات العربية المتحدة قضت الجزء الأكبر من السنوات العشرين الماضية في إعادة ابتكار نفسها كمركز للتكنولوجيا. والآن، تهدف إلى دور أوسع على الساحة العالمية، وخطوتها التالية هي نحو الإعلام.
وأشارت الصحيفة إلى أنه الأسبوع الماضي، جمع الشيخ عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الإعلامي الوطني لدولة الإمارات، حوالي 150 صحفيًا وشخصية بارزة في واشنطن بفندق ريتز كارلتون وسط العاصمة، للإعلان عن مبادرة إعلامية عالمية رفيعة المستوى تدعى “بريدج” (BRIDGE).
وبحسب الصحيفة تهدف المبادرة إلى “تمكين الجيل القادم من رواة القصص، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، والدفاع عن حرية الصحافة، وضمان أن تظل النزاهة في صميم الأخبار العالمية”.
وهذه المبادرة هي الأحدث ضمن سلسلة من الفعاليات التي ربطتها الإمارات بالاتجاهات العالمية الكبرى. ففي ديسمبر الماضي، تحدث إريك ترامب وستيف ويتكوف، المبعوث الحالي للشرق الأوسط، في مؤتمر “بيتكوين مينا” في العاصمة أبوظبي.
وفي الشهر الماضي، استضافت دبي “قمة الحكومات العالمية 2025”، والتي شارك فيها الرئيس التنفيذي لشركة غوغل سوندار بيتشاي، والمؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة بالانتير أليكس كارب، والرئيس التنفيذي لشبكة CNN مارك تومسون، بالإضافة إلى إيلون ماسك عبر مكالمة فيديو.
وفي فعالية إطلاق مبادرة “بريدج” بفندق ريتز كارلتون في واشنطن، قدم النُدل التمر والقهوة العربية القوية للحضور قبل أن يجلسوا لمشاهدة عرض تقديمي عن القمة، التي وصفها آل حامد بأنها “منصة عالمية طموحة جديدة” حيث يمكن لقادة الحكومات وقطاع الإعلام “تحديد جدول أعمال المستقبل”.
وقال إنه سيتم ربط القمة بمؤسسة غير ربحية تهدف إلى دعم الشركات الناشئة في مجال الإعلام.
لكن الخطة كانت تفتقر إلى تفاصيل محددة، مثل من سيشارك في القمة أو لماذا ينبغي للصحفيين الأمريكيين حضورها.
ومع ذلك، بدا الأمر منطقيًا تمامًا بالنظر إلى دور الإمارات كنقطة محورية في الاقتصاد العالمي، وتأثيرها المتزايد على صناعة التكنولوجيا الأمريكية – بما في ذلك صندوق MGX الإماراتي الذي دعم خطة بنية تحتية للذكاء الاصطناعي تُعرف بمشروع “ستارغيت”، والذي أُعلن عنه من البيت الأبيض.
وقد تولى تنظيم فعالية “بريدج” المنتج المعروف ريتشارد أتياس، الذي يتمتع بسجل حافل في تنظيم فعاليات عالمية بارزة للدول الخليجية الطموحة.
أتياس، المولود في المغرب، شغل منصب المنتج التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا لمدة 15 عامًا تقريبًا. كما شغل منصب الرئيس التنفيذي لمبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية، ونظم أكثر من 1000 فعالية، منها مبادرة كلينتون العالمية، وحفل افتتاح أولمبياد بكين 2008، الذي شارك في إنتاجه.
وعندما سُئل أتياس عن هدف “بريدج”، وصفه بأنه محاولة لدعم صناعة الإعلام التي تواجه تحديات صعبة. وقال: “التحديات الناجمة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي وكل هذا المحتوى المزيف ووسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخضع للرقابة حقًا، يمكن أن تسبب أضرارًا جانبية خطيرة. لذا قلنا: ماذا يمكننا أن نفعل؟ كيف يمكننا مساعدة صناعة الإعلام؟”
وقال مراقبون للشأن الخليجي إن قمة إعلامية دولية لافتة ستكون أيضًا وسيلة لجذب اهتمام العالم إلى التحول السريع الذي تشهده الإمارات كمركز للتكنولوجيا.
فيما قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية وزميل أول غير مقيم في مركز بيلفر التابع لمدرسة كينيدي بجامعة هارفارد، “إن البلاد تستثمر بكثافة في البنية التحتية الرقمية لتصبح مركزًا عالميًا للاقتصاد القائم على الذكاء الاصطناعي وما بعد النفط، لذا، ليس من المستغرب أنهم يريدون توسيع هذا التوجه ليشمل قطاع الإعلام”.
وقال جوشوا جاهاني، المدير العام لبنك الاستثمار “جاهاني وشركاه” ومقره نيويورك، والذي عمل مع صناديق الثروة السيادية الإماراتية، إنه يرى في حدث إعلامي ضخم مثل “بريدج” تمرينًا على بناء العلامة التجارية.
وأضاف: “لقد اتخذت الإمارات خطوات ناجحة مادية لتنويع اقتصادها من خلال الاستثمارات التكنولوجية الدولية والمحلية، والآن أصبح الإعلام جزءًا أساسيًا. عليهم أن يكونوا قادرين على نشر روايتهم”.
ولم تكن الإمارات الدولة الخليجية الوحيدة التي تسعى إلى تعزيز علاماتها الإعلامية العالمية في إطار تطوير قطاعها التكنولوجي. إذ قالت دانيا ظافر، المديرة التنفيذية لمنتدى الخليج الدولي، إن ذلك جزء من اتجاه إقليمي.
إذ استضافت قطر، الشهر الماضي، مؤتمر “ويب ساميت” بمشاركة شركاء إعلاميين مثل CNBC وThe Wall Street Journal | Barron’s Group.
ومع ذلك، هناك تناقض في صميم سعي الإمارات لوضع نفسها في قلب المشهد الإعلامي العالمي: فهي دولة استبدادية تحد من حرية التعبير.
ووجدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الإمارات تفرض “قيودًا صارمة على حرية التعبير والإعلام، بما في ذلك الرقابة” و”قيودًا صارمة على حرية الإنترنت” – وهو أمر يثير السخرية بالنسبة لدولة تطمح لتكون قوة تكنولوجية. كما صنفت منظمة “مراسلون بلا حدود” الإمارات في المرتبة 160 من بين 180 دولة في حرية الصحافة، بعد الهند وقبل روسيا.
وعندما سُئل أتياس عن الرقابة، قال: “لا يمكنني التعليق، لأنني لست على علم بذلك على الإطلاق”.
وقال جيم كرين، زميل أبحاث الطاقة في معهد بيكر بجامعة رايس، إنه يزور الإمارات مع طلاب جامعيين وينصحهم بعدم نشر أي تعليقات سلبية على الإنترنت. وأضاف: “دائمًا ما أخبرهم أنه إذا كان لديهم أي شيء سلبي للغاية ليقولوه، فليؤجلوه إلى حين عودتهم إلى الوطن”.
وأوضح أن الإمارات مكان رائع لتغطية شؤون المنطقة، ولكن “إذا بدأت تنظر إلى الداخل، إلى قضايا الفساد أو العائلة الحاكمة، فقد تجد نفسك غير مرحب بك سريعًا”.
ويعتقد كرين أنه تعرض للرقابة شخصيًا بعد أن كتب عن تجربته كصحفي مقيم في الإمارات في كتابه “مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية” الصادر عام 2009.
وقال: “لقد بيع الكتاب جيدًا في دبي خلال العامين الأولين، لكن بعد ذلك عندما ذهبت إلى المكتبات، أخبروني أنهم لن يبيعوه إلا إذا طلبه أحدهم بالاسم، ثم قيل لي لاحقًا إنه لم يعد مسموحًا لهم ببيعه”.
(وأضاف عبد الله، أستاذ العلوم السياسية، أنه صديق كرين، وكان قادرًا على إيجاد الكتاب في مكتبات دبي).
من المقرر أن يُعقد مؤتمر “بريدج” في أبوظبي في ديسمبر 2025، ولا تزال قائمة الحضور غير واضحة.
لكن في عالم يتراجع فيه العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، عن حرية الصحافة لصالح قادة يركزون على المصالح الاقتصادية، قد تكون الإمارات مرة أخرى متماشية مع الاتجاه السائد.
وقال كرين: “غياب حرية الإعلام يقابله سهولة الوصول إلى الاستثمارات. إنه مكان رائع لتغطية جزء مثير للاهتمام من العالم يزداد ثراءً وثراءً”.
️ واتفق معه عبد الله قائلاً: “نحن نعترف بأن حرية الإعلام والصحافة لدينا تعاني من قصور، ولكن إذا أتيت إلى هنا، فستجد العديد من الحريات الأخرى، الاجتماعية والاقتصادية”.
وأضاف: “نحن هنا نرى أن ذلك لا يقل أهمية عن الحرية السياسية”.