تواجه الحكومة البريطانية موجة انتقادات حادة من نواب مستقلين وخبراء قانونيين بعد إعلانها أنها “لم تستنتج” أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، رغم سقوط عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين وتوثيق منظمات دولية واسعة النطاق لجرائم الحرب والانتهاكات.
وأعادت الرسالة التي بعثها وزير الخارجية السابق ديفيد لامي في مطلع سبتمبر/أيلول، الجدل حول التزامات بريطانيا القانونية والأخلاقية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، وأثارت اتهامات للحكومة بـ”التواطؤ” وتوفير غطاء سياسي لإسرائيل.
وفي رسالته إلى النائبة العمالية سارة شامبيون، أوضح لامي أن الحكومة البريطانية لم تجد دليلاً على “نية محددة” لدى إسرائيل لتدمير الفلسطينيين كجماعة، وهو الشرط القانوني لتعريف جريمة الإبادة الجماعية.
وأضاف أن محكمة العدل الدولية “لم تحكم على مدى معقولية ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية”، وبالتالي لا ترى لندن أن هناك “خطرًا جديًا” يستدعي اتخاذ إجراءات استثنائية.
لكن هذا التفسير أثار موجة غضب، إذ وصف النائب المستقل إقبال محمد الرسالة بأنها “حقيرة”، معتبرًا أنها تنفي حق الفلسطينيين في الحماية من القصف والتجويع.
أما النائب أيوب خان، فذهب أبعد من ذلك، قائلاً إن “نية الإبادة لا يمكن أن تكون أوضح”، مشيرًا إلى تصريحات مسؤولين إسرائيليين دعا بعضهم إلى “محو غزة” ووصف الفلسطينيين بـ”الحيوانات البشرية”، إلى جانب قتل عشرات الآلاف وتجويع الأطفال وتدمير البنية التحتية المدنية.
تضارب مع الأدلة الدولية
يتناقض موقف لندن مع ما صدر عن منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية، خلصت تقاريرها إلى أن إسرائيل ارتكبت بالفعل جرائم ترقى إلى الإبادة الجماعية.
كذلك أقر أكبر اتحاد عالمي لخبراء دراسات الإبادة، بأغلبية 86% من أعضائه، أن ما يحدث في غزة يرقى إلى إبادة جماعية.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، قضت محكمة العدل الدولية بأن من “المعقول” أن تكون إسرائيل قد انتهكت اتفاقية الإبادة، وأمرت بتدابير مؤقتة لإجبارها على الامتناع عن أي أفعال إبادة.
ووصفت الخبيرة القانونية الدكتورة جولييت ماكنتاير تصريحات لامي بأنها “كاذبة بشكل صارخ”، مؤكدة أن المحكمة أقرت بوجود خطر جدي وفرضت أوامر على هذا الأساس.
وأضافت: “لو لم تكن هناك حقوق معقولة للفلسطينيين في الحماية من الإبادة، لما أصدرت المحكمة أوامرها”.
اتهامات بالخيانة السياسية
اتهم النواب المستقلون حكومة حزب العمال الجديدة بتضليل الرأي العام البريطاني عبر “التقليل المتعمد” من الفظائع، وتوفير غطاء سياسي لإسرائيل. أيوب خان اعتبر الموقف “خيانة فادحة للقانون الدولي والكرامة الإنسانية”، مضيفًا أن التاريخ “لن يغفر هذا التواطؤ”.
ويرى مراقبون أن حكومة كير ستارمر تحاول الموازنة بين ضغوط داخلية تطالبها بالتمايز عن واشنطن وتل أبيب، وبين حرصها على الحفاظ على العلاقات الأمنية والعسكرية مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي سياق متصل، أعلنت لندن تعليق نحو 30 ترخيصًا لتصدير الأسلحة لإسرائيل منذ سبتمبر/أيلول 2024، لكنها أبقت على مشاركة مكونات بريطانية في برنامج عالمي لطائرات إف-35 التي تشكل 15% من هيكلها. هذه المقاتلات تُستخدم بكثافة في الغارات على غزة ولبنان وإيران.
وأوضح لامي أن بريطانيا لا تستطيع وقف صادرات هذه المكونات بشكل أحادي “دون الإضرار بالبرنامج العالمي”، وهو ما اعتبره منتقدون محاولة لتبرير استمرار التورط غير المباشر في الحرب.
الغضب الشعبي والسياسي
تزامن الكشف عن رسالة لامي مع استعداد رئيس الوزراء كير ستارمر للقاء الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في لندن، ما زاد حدة الغضب الشعبي والسياسي. منظمات حقوقية ونواب في البرلمان أكدوا أن اللقاء يمثل “تجاهلاً صارخًا” للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
على الأرض، تواصل الحرب التي دخلت يومها الـ700 حصد الأرواح، إذ قُتل أكثر من 230 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، بينهم أكثر من 19,400 طفل وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة، فيما تحولت معظم البنية التحتية إلى أنقاض تحت وطأة الغارات.