أثار الإعلان الأخير عن اتفاق دفاع استراتيجي مشترك بين السعودية وباكستان جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية، إذ جرى تصويره على أنه يعزز فكرة «المظلة النووية» الباكستانية لصالح المملكة.
غير أن قراءة أعمق للتاريخ والحاضر تكشف أن الواقع أكثر تعقيدًا: السعودية تسعى لترسيخ موقعها كقوة إقليمية ذات علاقات متعددة الاتجاهات، بينما باكستان المثقلة بأزماتها الداخلية والاقتصادية تجد نفسها في موقع التابع لا الشريك المتكافئ.
وتعود جذور التعاون العسكري بين البلدين إلى عام 1967، عندما ساهمت هزيمة العرب في حرب يونيو في استقدام قوات دفاع باكستانية لحماية السعودية، تزامنًا مع برامج تدريب موسعة للضباط السعوديين في باكستان.
وفي عام 1979 لعبت القوات الباكستانية دورًا بارزًا في إنهاء احتلال متشددين للحرم المكي. ثم وُقّعت في 1982 اتفاقية دفاعية جديدة عززت المناورات والتعاون الاستخباراتي. لاحقًا، برز التعاون في ملفات حساسة مثل أفغانستان خلال الحقبة الأميركية، حيث عملت أجهزة استخبارات البلدين عن قرب.
البعد النووي: دعم سعودي قديم
منذ التسعينيات، ارتبطت السعودية ببرنامج باكستان النووي بشكل مباشر. ففي 1994 تسربت وثائق عبر دبلوماسي سعودي منشق تؤكد وجود تفاهم يتيح للرياض مظلة ردع نووي باكستانية في حال تعرضها لهجوم.
كما موّلت السعودية صفقات عسكرية وصاروخية، بعضها مع كوريا الشمالية، وسُمح للأمير سلطان بن عبد العزيز بزيارة منشأة تخصيب اليورانيوم في كاهوتا — وهي خطوة غير مسبوقة حتى لرؤساء وزراء باكستان.
وقد اعطت هذه المؤشرات الانطباع الدائم بأن العلاقة السعودية–الباكستانية تتجاوز التعاون التقليدي إلى ترتيبات ردع استراتيجية.
محمد بن سلمان وباكستان الجديدة
مع صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تغيّر المشهد، إذ اندفعت المملكة نحو تنويع تحالفاتها وعلاقاتها الاقتصادية، حتى مع خصوم باكستان التقليديين مثل الهند.
اليوم، تعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، ويعمل أكثر من مليوني هندي على أراضيها، كما يتبادل الطرفان استثمارات تصل إلى نحو 3 مليارات دولار.
إضافة إلى ذلك، فإن مشروع ممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC) يضع الرياض ونيودلهي في مسار تعاون استراتيجي طويل المدى، ما يعكس تحولات في أولويات المملكة بعيدًا عن الاعتماد الحصري على باكستان.
خلافات وتوترات
العلاقة لم تكن دومًا متناغمة، إذ رفض البرلمان الباكستاني إرسال قوات لدعم السعودية في حرب اليمن، ما أثار استياء الرياض.
ورغم قيادة الجنرال رحيل شريف «التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، بقي الموقف الباكستاني متحفظًا تجاه الانخراط في صراعات إقليمية تمس إيران.
وتسببت الأزمة الاقتصادية الباكستانية في توتر إضافي، حيث رفعت السعودية فوائد قروضها، لتؤكد أن الدعم المالي لم يعد مفتوحًا بلا شروط.
الاتفاق الجديد: واقع أم رمزية؟
أكد البيان المشترك الأخير على «الردع المشترك ضد أي عدوان» وأن الهجوم على أحد الطرفين يُعتبر اعتداءً على الآخر. لكن هذه الصياغة تحمل الكثير من الرمزية أكثر من المضمون العملي، لعدة أسباب:
السلاح النووي بيد باكستان وحدها، والسعودية لا تملك أدوات إلزامية تفعيله لصالحها.
باكستان تعتمد ماليًا على السعودية، ما يجعلها الطرف الأضعف غير القادر على فرض شروط أو الدخول في مواجهة مع أطراف مثل إسرائيل.
أي تحرك نووي باكستاني محتمل ضد إسرائيل، في ظل حرب غزة، سيكون انتحارًا سياسيًا داخليًا في باكستان، نظرًا لحساسية الرأي العام ورفض الغرب.
إسرائيل والهواجس الجديدة
إعلان الاتفاق بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة يضع العلاقة تحت مجهر إقليمي حساس. من منظور تل أبيب، قد يُنظر إلى أي تعزيز سعودي–باكستاني في مجال الردع على أنه تهديد محتمل.
إلا أن الواقع يؤكد محدودية هذا التهديد، إذ إن باكستان لم تُبدِ استعدادًا تاريخيًا أو حاضرًا لمواجهة إسرائيل عسكريًا.
من جهتها الهند تُراقب التطورات بعناية. فمن جهة، قد تخشى من استخدام السعودية لأموالها في دعم باكستان عسكريًا، ومن جهة أخرى ترى في المشروع الاقتصادي IMEC فرصة لتعزيز دورها كجسر تجاري عالمي بمشاركة سعودية.
وفي ظل محاولات نتنياهو فرض عدم وقف حرب غزة وفتح الممر، تبدو الرياض أقرب إلى نيودلهي منها إلى إسلام آباد على صعيد الأولويات الاستراتيجية.