قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تتعاملان بحذر مع القيادة الجديدة في سوريا خشية من صعود الإسلام السياسي.
وبحسب الصحيفة لطالما كانت سوريا الحليف العربي الأقرب لإيران في الشرق الأوسط، بينما كانت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، في منافسة مع طهران على النفوذ الإقليمي.
ومع الإطاحة المفاجئة بالرئيس السوري بشار الأسد، تراجع نفوذ إيران، مما خلق فرصة لدول الخليج لتعزيز علاقاتها مع الحكومة الجديدة في دمشق.
وتسير السعودية والإمارات بحذر تجاه القيادة الجديدة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام ذات التوجه الإسلامي، والتي كانت مرتبطة سابقًا بتنظيم القاعدة. وقد أمضت الدول الخليجية العقدين الماضيين في محاولات لمنع صعود الجماعات الإسلامية السياسية في المنطقة.
أكدت الدول الخليجية أن على القيادة الجديدة في سوريا إثبات شموليتها وتسامحها مع التنوع الديني والطائفي قبل الحصول على الدعم السياسي والمالي.
وأشار أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، خلال مؤتمر في أبوظبي، إلى أن ارتباط الهيئة بالإسلام السياسي يثير القلق، مضيفًا: “هذه مؤشرات مقلقة… لقد شهدنا أحداثًا مشابهة من قبل ويجب أن نكون حذرين”.
وتخشى دول الخليج من أن يؤدي تمكين الجماعات الإسلامية إلى زعزعة استقرار أنظمتها الحاكمة. فعندما اندلعت ثورات الربيع العربي في عام 2011، أطاحت ببعض الأنظمة الاستبدادية وصعدت قوى إسلامية إلى السلطة في دول مثل مصر وتونس.
قالت آنا جاكوبس، كبيرة محللي شؤون الخليج في “مجموعة الأزمات الدولية”: “الإمارات لديها تاريخ طويل من معارضة الأحزاب والحكومات ذات الصلة بالإسلام السياسي”. لكنها أشارت إلى أن الإمارات تبدي استعدادًا للعمل مع الحكومة المؤقتة للحفاظ على استقرار سوريا والمنطقة.
كان لصعود الإسلاميين في مصر تأثير كبير على دول الخليج، حيث دعم الإماراتيون والسعوديون الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013. كما أن الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي قاد الإطاحة بمرسي، يعمل منذ ذلك الحين على قمع الجماعة بشكل صارم.
في مؤتمر صحفي نادر في ديسمبر، أبدى السيسي قلقه من الأحداث في سوريا قائلاً: “لم تتلطخ يداي بدماء أحد، ولم أستولِ على ما ليس لي”.
وقد عارضت السعودية والإمارات نظام الأسد منذ بداية الحرب الأهلية السورية عام 2011، وأغلقتا سفارتيهما في دمشق عام 2012 بسبب قمع الأسد للمعارضين. ومع مرور السنوات، تغيرت المواقف الخليجية تدريجيًا، خاصة مع استعادة الأسد السيطرة على معظم الأراضي بدعم روسي وإيراني كبير.
ولعبت الدول الخليجية دورًا كبيرًا في إعادة الأسد إلى الجامعة العربية عام 2023، في خطوة اعتُبرت محاولة لتعزيز الوحدة العربية لمواجهة نفوذ إيران المتزايد.
في المقابل يبدو أن قطر أكثر انفتاحًا على دعم الحكومة الانتقالية في سوريا. فقد حافظت قطر على قنوات اتصال مع هيئة تحرير الشام وجماعات معارضة أخرى خلال الحرب الأهلية. وفي عام 2015، توسطت قطر في صفقة تبادل أسرى بين المعارضة والجيش اللبناني.
وعلى الرغم من أن السعودية والإمارات والبحرين قطعت علاقاتها مع قطر في 2017، مطالبة بوقف دعمها للجماعات الإسلامية، إلا أن قطر واصلت دعم المعارضة السورية حتى بعد عودة العلاقات.
بعد الإطاحة بالأسد، أرسلت قطر وزير خارجيتها إلى دمشق في ديسمبر، ليكون أرفع مسؤول خليجي يزور الحكومة الانتقالية. كما زار دمشق هذا الأسبوع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ووزير الخارجية الكويتي.
وأكد أحمد الشرع؛ قائد المعارضة الذي قاد الهجوم الذي أطاح بالأسد، أن قطر ستحظى بأولوية بسبب دعمها للشعب السوري، مشيرًا إلى احتمال مشاركة قطر في مشاريع إعادة الإعمار.
وقال الشرع للصحفيين: “تحظى قطر بأولوية خاصة في سوريا بفضل موقفها المشرف تجاه الشعب السوري”.
وقد رافق الوفد القطري فريق تقني من الخطوط الجوية القطرية لتقديم الدعم الفني لإعادة تشغيل مطار دمشق الدولي.
وترى السعودية والإمارات في مشاريع إعادة الإعمار فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية وتعزيز النفوذ في سوريا، بشرط التوصل إلى شروط مناسبة مع الحكومة الجديدة. فمع تدمير البنية التحتية للبلاد، قد تكون هذه المشاريع وسيلة فعالة للتأثير على مستقبل سوريا السياسي.