أعلنت الحكومة العراقية سحب مشروع قانون تنظيم قوات الحشد الشعبي من البرلمان، بعد ضغوط مكثفة مارستها الولايات المتحدة وعدد من الحلفاء الغربيين، وفق ما نقلته صحيفة ذا ناشيونال عن نواب عراقيين.
وكان مشروع القانون يقضي بإعادة هيكلة قوات الحشد الشعبي وتوسيع صلاحياتها، بما يرفع مكانتها إلى مستوى مماثل لبقية فروع القوات المسلحة العراقية. هذه القوات، التي تشكّلت عام 2014 لمواجهة تنظيم داعش، تضم عشرات الفصائل ذات الأغلبية الشيعية، كثير منها يحظى بدعم مباشر من إيران.
واعتبرت واشنطن أن تمرير القانون كان سيُرسّخ النفوذ الإيراني داخل العراق، سياسيًا وأمنيًا، على حساب سيادة الدولة.
انسحاب غير متوقع
النائب أمير المعموري أوضح أن الانسحاب جاء دون سابق إنذار: “فوجئنا بإبلاغنا من رئاسة البرلمان بسحب مشروع قانون الحشد الشعبي. كانت القراءتان الأولى والثانية قد اكتملتا، وكنا نستعد للتصويت النهائي”.
وأرجع المعموري الفشل إلى النفوذ الأميركي المباشر، معتبرًا أن “الأحزاب السياسية العراقية خضعت للضغوط الخارجية”، ودعا الحكومة إلى إعادة المشروع للمناقشة مستقبلًا.
الموقف الأميركي والغربي
الولايات المتحدة أوضحت موقفها مرارًا خلال الأسابيع الماضية. فقد ناقش وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الملف مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، محذرًا من تداعيات إقرار القانون.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس إن واشنطن ترى أن التشريع “سيُرسّخ نفوذ إيران والجماعات المسلحة التي تقوّض سيادة العراق”.
وأضافت “نعارض بشدة أي قانون يتعارض مع أهداف شراكتنا الأمنية الثنائية، ويقوّض المؤسسات الوطنية العراقية”.
الموقف نفسه عبر عنه عرفان صديق، السفير البريطاني لدى بغداد، الذي أشار إلى أن بعض فصائل الحشد لا تلتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة. وأضاف في مقابلة تلفزيونية: “الوضع الأمني في العراق تحسن بعد هزيمة داعش، وهذا يطرح سؤالًا عن الدور المستقبلي للحشد. لا يمكن أن يكون كما كان زمن الحرب”.
الحشد الشعبي: من الحرب إلى السياسة
برز الحشد الشعبي عام 2014 كقوة عسكرية رديفة بعد فتوى المرجعية الشيعية لمواجهة تمدد تنظيم داعش. ومع مرور السنوات، تحول من قوة قتالية إلى لاعب سياسي وعسكري فاعل. غير أن بعض فصائله، بحسب تقارير أميركية وغربية، متهمة بتنفيذ هجمات على مصالح أميركية في العراق وسوريا، والتصرف كـ”دولة داخل الدولة”.
في المقابل، يرى مؤيدو الحشد أنه ساهم في إنقاذ العراق من خطر التنظيم المتطرف، وأن دمجه الكامل في القوات المسلحة يضمن تعزيز قدرات الدولة الدفاعية.
ويُظهر سحب القانون موازنة دقيقة تحاول بغداد تحقيقها بين ضغوط واشنطن وحلفائها، وبين نفوذ طهران داخل مؤسسات الدولة العراقية. فرئيس الوزراء السوداني، رغم حاجته لدعم أميركي سياسي وأمني، يعتمد على تحالفات داخلية تضم فصائل قريبة من إيران، ما يجعله أمام معادلة صعبة.
مستقبل غامض
رغم تراجع الحكومة عن المشروع الحالي، يبقى ملف الحشد الشعبي من أكثر القضايا حساسية في العراق. فبينما يطالب الغرب بإخضاعه التام للدولة أو تقليص دوره بعد انتهاء الحرب مع داعش، تصر فصائله على دورها السياسي والعسكري باعتبارها جزءًا من “منظومة الدفاع الوطني”.
الانسحاب قد يفتح الباب أمام صياغة نسخة معدلة من القانون، لكن ضمن شروط وضمانات توازن بين الضغوط الدولية وحسابات الداخل العراقي. وحتى ذلك الحين، ستبقى قضية الحشد الشعبي اختبارًا حقيقيًا لسيادة العراق وقدرته على رسم مساره الأمني بعيدًا عن صراع النفوذ بين واشنطن وطهران.