إذا أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إقالة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، فإن الأسواق المالية العالمية قد تشهد موجة من التقلبات العنيفة، مصحوبة بتغييرات جوهرية في منحنى العائد الأمريكي وثقة المستثمرين في النظام النقدي الأميركي، وفق محللين اقتصاديين.
يرى مراقبون أن مثل هذه الخطوة لن تكون مجرد تغيير في القيادة، بل قد تُفهم على أنها تدخل سياسي مباشر في أكثر مؤسسة مالية استقلالًا في العالم، مما يهدد بإضعاف مصداقية الاحتياطي الفيدرالي ويضعف الثقة العالمية في استقرار الدولار الأمريكي.
تداعيات فورية ومتوسطة الأمد
بحسب نيل إروين، الصحفي الاقتصادي البارز، فإن إقالة باول قد تؤدي إلى تقلبات قصيرة الأمد في الأسواق، حيث سيحاول المستثمرون إعادة تقييم مَن يسيطر فعليًا على السياسة النقدية. وسيرافق ذلك ارتفاع محتمل في تكاليف الاقتراض على المدى الطويل، نتيجة شكوك السوق حول قدرة الاحتياطي الفيدرالي على كبح التضخم في ظل تبعية سياسية.
يشير الخبراء إلى أن عدم وضوح الصورة بشأن من سيتولى القيادة بعد باول، سيُضيف عنصرًا كبيرًا من عدم اليقين. فمن المفترض أن يتولى نائب الرئيس، فيليب جيفرسون، رئاسة مجلس المحافظين مؤقتًا، رغم أنه ليس شخصية معروفة بشكل واسع في الأوساط المالية. وفي الوقت ذاته، سيترأس جون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.
منحنى العائد الأكثر انحدارًا
السيناريو المرجح، بحسب محللي بنك ING، هو ظهور منحنى عائد أكثر انحدارًا: أي أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل قد تنخفض تحت ضغط سياسي، بينما ترتفع الفائدة طويلة الأجل نتيجة تزايد توقعات التضخم.
بلغ العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عامًا 5.01%، مع توقّعات تضخم سنوي عند 2.35%، ما يعكس قلقًا متناميًا من فقدان الاستقلال النقدي.
ويقول خبراء ING، مثل بادرايك جارفي وفرانشيسكو بيسول، إن “الأسواق تعاني بالفعل من ضغوط مرتبطة بالعجز المالي والتضخم الناتج عن الرسوم الجمركية. وإذا أُضيف إلى ذلك خفض مفرط في الفائدة، فقد يدفع ذلك المستثمرين بعيدًا عن الدولار نحو عملات بديلة مثل اليورو والين والفرنك السويسري.”
أزمة ثقة مؤسسية
لكن الأخطر من ذلك هو تآكل الثقة في حياد واستقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي. ففي حال رسّخ ترامب سابقة يمكن من خلالها طرد رئيس الاحتياطي الفيدرالي بسبب خلافات سياسية، فإن ذلك يُنذر بتغيير جوهري في أسس النظام المالي الأميركي.
يقول إروين: “إذا شعر المستثمرون أن أي رئيس للفيدرالي يمكن أن يُقال ما لم يُرضِ البيت الأبيض، فقد تنهار توقعاتهم بشأن استقرار التضخم والنظام النقدي على المدى الطويل.”
في حال أقال ترامب جيروم باول، فإن التأثير الفوري سيكون حالة من التوتر الشديد في الأسواق، يتبعها تحوّلات هيكلية محتملة في منحنى العائد وثقة المستثمرين. ستنخفض الفائدة قصيرة الأجل، لكن على حساب ارتفاع تكلفة الاقتراض طويل الأجل وهروب محتمل لرؤوس الأموال من الدولار.
قد تكون هذه الخطوة بداية تغيير جذري في موقع واستقلال البنك المركزي الأمريكي، مع ما يحمله ذلك من تبعات عالمية على الأسواق والاقتصاد الكلي.