تتجه أوروبا نحو مرحلة أكثر حساسية في تعاملها مع الحرب الأوكرانية، مع تصاعد النقاشات حول استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل دعم كييف عسكرياً ومالياً، في خطوة قد تمثّل تحولاً قانونياً وسياسياً غير مسبوق منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022.
ويأتي هذا التطور بعد لقاء جمع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بنظيره البلجيكي بارت دي ويفر في لندن، وسط ضغوط متزايدة على العواصم الأوروبية لزيادة مساهمتها في دعم أوكرانيا.
وشكل اللقاء الذي عُقد في داونينغ ستريت محطة مهمة في مسار التنسيق الأوروبي–البريطاني، إذ ناقش الطرفان سبل المضي قدماً في تحرير الأصول السيادية الروسية المجمّدة، والتي تُقدّر قيمتها بنحو 160 مليار دولار، معظمها محتجز في بلجيكا عبر مؤسسات مالية كبرى، أبرزها شركة “يوروكلير”.
وأعلنت بريطانيا، التي تقود مع فرنسا ما يُعرف بـ“تحالف الراغبين” الداعم لأوكرانيا، استعدادها للعمل الوثيق مع الاتحاد الأوروبي لتجاوز العقبات القانونية والسياسية التي تعيق استخدام هذه الأصول.
ويضم هذا التحالف نحو 30 دولة تعهّدت بمواصلة دعم كييف، خصوصاً في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار لا يضمن استعادة أوكرانيا لأراضيها أو أمنها على المدى الطويل.
في المقابل، لا تزال بلجيكا تتعامل بحذر مع هذا الخيار، خشية تحمّل تبعات قانونية واقتصادية جسيمة.
فبروكسل تخشى أن تتحمّل وحدها مسؤولية أي التزامات مالية في حال أقدمت روسيا على اتخاذ إجراءات انتقامية أو الطعن قانونياً في الخطوة، وهو ما دفعها إلى مطالبة بقية دول الاتحاد الأوروبي بتقاسم المخاطر بشكل واضح ومُلزم.
وتعزز هذه المخاوف تقارير عن تحركات قانونية روسية مضادة، إذ أفادت تقارير بأن البنك المركزي الروسي رفع دعاوى قضائية في موسكو تتعلق بأصول تُقدّر قيمتها بنحو 210 مليارات دولار، جُمّدت في أوروبا مع بداية الحرب.
وذكرت صحيفة “التايمز” أن هذه الدعاوى تستهدف بشكل مباشر مؤسسة “يوروكلير” البلجيكية، في مسعى روسي لعرقلة أي محاولة لاستخدام الأموال المجمدة أو مصادرتها.
وعقب الاجتماع في لندن، أكد رئيس الوزراء البلجيكي أن الاتحاد الأوروبي يواجه “قرارات بالغة الأهمية” خلال الأسبوع المقبل، مشدداً على أن بلاده والمملكة المتحدة “ستتحركان معاً” في هذا الملف.
من جانبه، وصف ستارمر بلجيكا بأنها “شريك رائع”، مؤكداً أهمية تنسيق الجهود الأوروبية لضمان استمرار الضغط على موسكو وتعزيز موقع أوكرانيا التفاوضي.
وجاء في بيان رسمي صادر عن داونينغ ستريت أن الجانبين اتفقا على مواصلة العمل المشترك لإحراز تقدم في مسألة تحرير الأصول الروسية، معتبرين أن الضغط الاقتصادي المتواصل على روسيا يظل “السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم”.
كما أشار البيان إلى أن النقاشات شملت السبل الممكنة لتلبية الاحتياجات المالية المتزايدة لأوكرانيا، بما في ذلك الاستفادة من قيمة الأصول السيادية الروسية المجمدة.
وتأتي هذه التحركات في ظل تحذيرات دبلوماسية من أن روسيا قد تستولي على “مساحات أوسع من الأراضي الأوكرانية” إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي يوقف تقدمها العسكري، وهو ما يزيد من إلحاح البحث عن مصادر تمويل مستدامة لدعم كييف.
ومن المقرر أن تُطرح المخاوف البلجيكية بشكل موسّع خلال اجتماعات قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، في محاولة للتوصل إلى توافق جماعي حول المسار القانوني والسياسي الأنسب.
كما سيُعقد اجتماع آخر في برلين يوم الاثنين لمناقشة خطة السلام التي تقودها الولايات المتحدة، في وقت تتشابك فيه المسارات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية بشكل غير مسبوق.
وبينما ترى دول أوروبية أن استخدام الأصول الروسية بات ضرورة أخلاقية وسياسية لدعم أوكرانيا، يحذر آخرون من أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام سوابق قانونية خطيرة وتفاقم المواجهة مع موسكو، ما يجعل القرار النهائي اختباراً حقيقياً لوحدة الموقف الأوروبي وقدرته على تحمّل كلفة المواجهة الطويلة.