حذر ميخائيل خودوركوفسكي، قطب النفط السابق وأحد أبرز منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، أوروبا من ضرورة الاستعداد لمواجهة طويلة الأمد مع روسيا، بغض النظر عن كيفية تطور الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال خودوركوفسكي، في لقاء خاص أقيم هذا الأسبوع في بروكسل، إن “علينا أن نتوقع استمرار نوع من الحرب الباردة لمدة لا تقل عن عشر سنوات”، مؤكدًا أن الاستراتيجية الروسية الحالية تعكس “السردية الإمبريالية العسكرية” التي ستستمر في دفع موسكو لاتباع سياسات عدوانية.
وأشار خودوركوفسكي إلى أن الرادع الوحيد لأي عدوان روسي جديد على أوروبا سيكون اعتقاد بوتن بأن الغرب يشكل تهديدًا عسكريًا حقيقيًا، مضيفًا أن روسيا لن تتخلى بسهولة عن هذا الإطار الذهني الذي يبرر سياساتها الخارجية.
وأضاف أن الهجمات الأوروبية والأوكرانية، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والحملات العسكرية المحدودة، لا تُحدث تأثيرًا جوهريًا في تقويض آلة الحرب الروسية، وإنما تشكل “ضغوطًا طفيفة على الاقتصاد” فقط.
وقلل خودوركوفسكي، الذي أمضى عقدًا من الزمن في سجون بوتن قبل أن يُفرج عنه عام 2013، من شأن الهجمات التي تشنها أوكرانيا بواسطة الطائرات بدون طيار على المصافي الروسية، واصفًا حجم هذه المنشآت الضخمة في سيبيريا بأنه يفوق قدرة هذه الطائرات على إحداث أي ضرر ملموس.
وقال: “حتى أقوى طائرة بدون طيار أو صاروخ توماهوك لا يمكنه ضرب مساحة تزيد عن هكتارين، بينما تبلغ مساحة منشآت النفط النموذجية في سيبيريا نحو 1500 هكتار. ما يحدث يشبه وطء قدم شخص ما”.
وحول فرص الإطاحة ببوتن، أوضح خودوركوفسكي أن اللحظة الوحيدة التي كانت فيها قبضة الرئيس الروسي على السلطة قابلة للانكسار كانت خلال العامين الأولين بعد بدء الغزو الكامل لأوكرانيا، إذا ما تكبدت روسيا هزيمة عسكرية حاسمة.
لكنه أضاف أن هذه النافذة قد أغلقت الآن، وأن روسيا ستستمر في حكمها المستبد لأعوام مقبلة، ملاحظًا بسخرية أن الطغاة في روسيا يميلون عادةً إلى المغادرة بين سن السبعين والثمانين، بينما بلغ بوتن 73 عامًا في أكتوبر الماضي.
وتأتي تصريحات خودوركوفسكي بعد أسبوعين فقط من إعلان الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا عن إنشاء “منصة للحوار” مع قوى المعارضة الديمقراطية الروسية، في خطوة اعتبرها الكرملين تهديدًا لشرعيته.
وفي رد فعل متوقع، فتحت السلطات الروسية قضية جنائية جديدة ضده، متهمة إياه بقيادة “منظمة إرهابية” والتخطيط للاستيلاء على السلطة بمساعدة قوات شبه عسكرية أوكرانية، إلى جانب 22 شخصًا آخر من أعضاء لجنة مناهضة الحرب الروسية التي يرأسها خودوركوفسكي في المنفى.
وأكد خودوركوفسكي أن هذه الإجراءات تعكس مدى انزعاج بوتن من شرعية القوى الديمقراطية الروسية، حتى على المستوى الرمزي، مشيرًا إلى أن الملاحقات القانونية تهدف إلى تضييق فرص المعارضة حتى وهي خارج نطاق السيطرة المباشرة للكرملين.
وأضاف أن هذه القيود أدت إلى مشاكل في البنوك الأوروبية وقيود على السفر لهؤلاء المعارضين، خوفًا من تسليمهم إلى روسيا.
وعلى الرغم من هذه العقبات، أبدى خودوركوفسكي تفاؤله الشخصي بالمستقبل، مؤكداً ثقته في أنه سيعود يومًا ما إلى روسيا بعد بوتن، لكنه حذر من أن هذا التحول سيستغرق عقودًا قبل أن تتحرر البلاد من “السردية الإمبريالية العسكرية” التي تبرر غزو الجيران وتصنع أعداء خارجيين وهميين.
وقال بابتسامة: “عندما تعمل في الصناعات الثقيلة، تعتاد على عمليات تستغرق وقتًا طويلًا. من استكشاف حقل نفطي إلى الإنتاج قد تحتاج العملية إلى 15 عامًا أو أكثر. المستقبل حقيقي بالنسبة لي مثل الحاضر، وهو يحفزني”.
ويُظهر حديث خودوركوفسكي أن المعركة بين روسيا والغرب ليست مجرد صراع عسكري في أوكرانيا، بل تمتد لتشمل معركة طويلة على السرديات السياسية والأيديولوجية، حيث ستستمر أوروبا في مواجهة تحديات استراتيجية معقدة لمواجهة روسيا، سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي أو الإعلامي، في السنوات القادمة.