كشف تقرير «توقّعات التراث العالمي 4» الصادر خلال مؤتمر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة المنعقد في أبوظبي، أنّ 43% من مواقع التراث العالمي الطبيعية باتت تواجه تهديدات «عالية» أو «عالية جداً» نتيجة تغيّر المناخ، مقارنةً بـ33% قبل خمس سنوات فقط.
ويوفّر التقرير أحدث صورة شاملة لصحة 271 موقعاً حول العالم، من الغابات الاستوائية إلى الشعاب المرجانية، مسجّلاً تراجعاً تراكمياً في آفاق الحفاظ على هذه المواقع عبر عقدٍ كامل.
ويبيّن التقييم أن 57% فقط من المواقع تُصنَّف اليوم ذات مستقبلٍ إيجابي، انخفاضاً من 62% عام 2020.
وتبدو المواقع الأشدّ ثراءً بالتنوّع الحيوي الأكثر تضرراً، إذ تتعرض لمزيج فتاك من الحرارة والجفاف والأمراض والضغوط البشرية، ما يزعزع قدرة النظم البيئية على الصمود.
وتقول الدكتورة غريتيل أغيلار، المديرة العامة للاتحاد: «حماية التراث العالمي لا تعني صون أماكن مميّزة فحسب، بل تعني أيضاً حماية أسس الحياة والثقافة والهوية للناس في كل مكان».
تغيّر المناخ.. الخطر الأول بلا منازع
يثبّت التقرير تغيّر المناخ باعتباره التهديد الأكثر انتشاراً على التراث الطبيعي: ارتفاع درجات الحرارة، تغيّر أنماط الهطول، وتزايد شدّة العواصف تدفع منظومات هشّة—من براري تسمانيا إلى سونداربانس—إلى حدود قدرتها الاحتمالية. ويستشهد التقرير بمواقع مثل الحاجز المرجاني العظيم وبحر رمال ناميب كنماذج على الضغط المستمر.
في المقابل، تبقى الأنواع الغازية ثاني أكثر التهديدات شيوعاً، وتؤثر في 30% من المواقع.
لكنه يرصد أيضاً قفزة مقلقة في انتشار أمراض الحياة البرية والنباتية: 9% من المواقع مهدّدة اليوم، مقابل 2% فقط عام 2020، مع أمثلة تشمل فيروس الإيبولا في رئيسيات متنزه فيرونغا الكونغولي، ومتلازمة الأنف الأبيض لدى الخفافيش في كهف الماموث بالولايات المتحدة، وإنفلونزا الطيور في شبه جزيرة فالديز بالأرجنتين.
ويؤكد التقرير ترابط هذه الضغوط: فاحترار الكوكب واضطراب الهطول يسرّعان انتشار الأنواع الغازية ومسببات الأمراض، بينما تُفاقم السياحة غير المستدامة—وهي ثالث التهديدات انتشاراً—الأضرار في مواقع شديدة الحساسية.
فجوات إدارة وتمويل تُضعف المرونة
على مستوى الحوكمة، يخلص التقييم إلى أن نصف المواقع فقط تُدار إدارة فعّالة، فيما يواجه 15% خطر تدهور مرتفعاً بسبب قصور التمويل أو انعدامه.
ويحذّر تيم بادمان، مدير برنامج التراث العالمي في الاتحاد، من أنّ «ضمان مرونة التراث الطبيعي يتطلّب التزاماً طويل الأمد عبر جميع المستويات—من المجتمعات المحلية إلى الشركاء الدوليين—مدعوماً بتمويل كافٍ».
ويضيف أن حصيلة عقدٍ من المتابعة تشير إلى الحاجة لـنهج جديد يوسّع رقعة النجاحات المحدودة لتشمل الأغلبية المحتاجة من المواقع.
بؤر نجاح تُثبت جدوى الحلول
رغم الصورة القاتمة، يبرز التقرير 13 موقعاً حسّنت توقّعات الحفاظ لديها بين 2020 و2025، ما يؤكد أن التمويل الموجّه والمشاركة المجتمعية يحققان نتائج ملموسة.
وفي غرب ووسط أفريقيا، انتقلت مواقع—منها محمية دجا في الكاميرون ومنتزه غارامبا في جمهورية الكونغو الديمقراطية—من حالة «حرجة» إلى «مقلقة للغاية» بفضل تعزيز مكافحة الصيد الجائر واستقرار أعداد الحياة البرية.
كما يدعو التقرير إلى تحوّل جذري في جهود الحفظ، مع تعزيز الاعتراف بقيادة الشعوب الأصلية والمعارف التقليدية.
ومن إدارة حرّاس الغابات في متنزه أولورو–كاتا تجوتا بأستراليا إلى حماية بحرية تقودها المجتمعات في المحيط الهادئ، تُظهر النماذج المحلية قدرةً أكبر على تعزيز المرونة وتحسين مؤشرات التنوع الحيوي عندما تُمنح الأدوات والصلاحيات والموارد.
ويقدّم التقرير خارطة طريق عملية: خفض سريع للانبعاثات بوصفه خط الدفاع الأول، تعزيز التمويل متعدد السنوات لإدارة المواقع، تخفيف آثار السياحة عبر حصص الزوار والبنى التحتية الخضراء، مكافحة الأنواع الغازية والأوبئة بأدوات رصد مبكر، وتمكين المجتمعات المحلية لتصبح شريكاً مقرِّراً لا مجرد متلقٍ للسياسات.
فالتراث الطبيعي، كما يذكّر الاتحاد، ليس مجرد «قائمة أماكن»؛ إنه بنية أمان بيئي وثقافي للكوكب—وإنقاذه يبدأ من الاعتراف بأن تغيّر المناخ لم يعد تهديداً متوقعاً، بل واقعاً حاضراً يعيد تشكيل مستقبل تلك الكنوز أمام أعيننا.