تحقيق صحفي: لبنان يخسر عشرات الملايين في صفقة وقود روسي مشبوهة

by hayatnews
0 comment

كشف تحقيق استقصائي أن لبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية ونقص الطاقة المزمن، تعرض للاحتيال بملايين الدولارات من خلال استيراد وقود روسي خاضع للعقوبات الغربية، جرى التلاعب بأوراق شحنه لتمويه مصدره وفرض أسعار تزيد بنسبة تصل إلى 70% عن قيمته الحقيقية.
واستند التحقيق إلى وثائق مسربة وأوراق شحن وبيانات تتبع سفن، إلى جانب مقابلات مع محللين نفطيين، وأظهر أن عدداً من الشحنات أُدرجت على أنها قادمة من تركيا أو مصر، فيما أشارت بيانات التتبع إلى أنها انطلقت من روسيا.
وتشتبه السلطات اللبنانية في أن هناك عمليات تزوير ممنهج لوثائق الشحن بهدف التحايل على العقوبات الدولية وتحقيق أرباح غير مشروعة.
وقد حاولت إحدى الناقلات التي تخضع للتحقيق يوم السبت الماضي، مغادرة المياه اللبنانية بعد تعطيل أجهزة التتبع الخاصة بها، غير أن القوات المسلحة اللبنانية أوقفتها واحتجزت طاقمها.
العقوبات والالتفاف عليها
تفرض مجموعة السبع منذ 2023 سقفاً سعرياً على صادرات الوقود الروسي، حُدد عند 45 دولاراً للبرميل، بهدف تقليص عائدات موسكو.
إلا أن التجار باعوا شحنات إلى لبنان بأسعار تفوق هذا السقف بكثير، ما أدى إلى استنزاف عشرات الملايين من الدولارات من خزينة الدولة، وفق تقديرات أولية.
وأوضح ديفيد تانينباوم، مدير شركة بلاكستون كومبلاينس سيرفيسز في واشنطن، أن القوانين “تحظر على أي طرف أجنبي التسبب في انتهاك العقوبات”، ما يجعل ملاك السفن والتجار عرضة للمساءلة الدولية.
شكاوى وتحقيقات لبنانية
أكدت السلطة القضائية اللبنانية أنها لا تستطيع التعليق بسبب وجود تحقيق جارٍ، فيما أعلنت الجمارك اللبنانية فتح تحقيق منفصل قبل أسابيع حول واردات الوقود المشبوهة.
وكان المهندس اللبناني فوزي مشلب قد تقدم في 12 يونيو/حزيران بشكاوى إلى القضاء والجمارك، وثّق فيها عشرات الناقلات التي وصلت من روسيا، متهماً التجار بتغيير بيانات الشحن لتمويه مصدر الوقود وبيعه كمنتج من البحر المتوسط.
وقال مشلب: “مرّ شهران منذ أن أبلغت عن القضية، ولم تتخذ السلطات أي إجراء حاسم حتى الآن”.
بيانات مقلقة
بحسب بيانات جمعها المحلل النفطي مارك أيوب بالتعاون مع مؤسسات بحثية لبنانية، فقد وصلت إلى لبنان 20 ناقلة روسية على الأقل منذ 2023.
وأظهرت الأرقام أن 60% من الشحنات خضعت لعمليات نقل من سفينة إلى أخرى (STS)، وهي ممارسة غالباً ما تُستخدم لإخفاء المصدر الحقيقي للوقود.
ويرى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC) أن هذه العمليات تمثل “إشارة حمراء” على التهرب من العقوبات وعمليات غسل تجاري.
خسائر في بلد مفلس
تشير التقديرات إلى أن الواردات الروسية غير المطابقة لسقف السعر كلفت لبنان عشرات الملايين من الدولارات خلال العامين الماضيين، في وقت تعاني فيه البلاد من عجز مزمن في مؤسسة كهرباء لبنان، التي بالكاد توفر بضع ساعات من التغذية يومياً.
ويزيد هذا النزيف المالي من تعقيد أزمة الطاقة المستمرة منذ عقود، والتي فاقمها الفساد وسوء الإدارة ونقص الاستثمارات.
سياق تاريخي للفساد في قطاع الطاقة
فضائح استيراد الوقود ليست جديدة في لبنان. ففي 2020، تفجرت قضية الوقود المغشوش الذي تضمن اختبارات معملية مزورة ورشى لمسؤولين، وانتهت بفرض الولايات المتحدة عقوبات على رجلي الأعمال تيدي وريموند رحمة عام 2023.
لاحقاً، استبدل لبنان عقود الاستيراد المثيرة للجدل باتفاق مع العراق للحصول على وقود بالنقد المؤجل. وبما أن الوقود العراقي لا يلائم مواصفات محطات الكهرباء اللبنانية، كان يتم مبادلته عبر مناقصات شهرية، استفاد منها وسطاء وتجار عالميون بتحقيق أرباح إضافية.
وتأتي القضية في توقيت حساس، إذ يستعد صندوق النقد الدولي لعقد محادثات جديدة مع لبنان بشأن برنامج إصلاح اقتصادي طال انتظاره.
وتثير هذه الفضيحة مخاوف من أن استمرار الفساد والتهريب سيقوّض فرص استعادة ثقة المؤسسات الدولية والدائنين.

You may also like

Leave a Comment