تقترب دبي من تحقيق إنجاز سكاني غير مسبوق، إذ أعلن مركز دبي للإحصاء أن عدد سكان الإمارة بلغ صباح اليوم 3,999,247 نسمة، ليقترب من حاجز الأربعة ملايين لأول مرة في تاريخها الحديث. ويُعد هذا النمو السكاني انعكاسًا مباشرًا لنجاح دبي الاقتصادي وتحوّلها إلى واحدة من أسرع المدن العالمية نموًا وجذبًا للسكان.
وقبل خمسين عامًا، كان عدد سكان دبي لا يتجاوز 175 ألف نسمة فقط، ما يعني أن الرقم الجديد يُمثّل زيادة هائلة بنسبة 2185% منذ عام 1975.
وقد شهدت الإمارة قفزات كبيرة خلال العقد والنصف الأخير؛ ففي 24 ديسمبر 2011، سجّلت دبي وصول عدد سكانها إلى مليوني نسمة، أي أن العدد تضاعف تقريبًا في أقل من 15 عامًا، وهو معدل نمو نادر عالميًا بهذا الحجم والسرعة.
ويُعزى هذا الارتفاع إلى مزيج من الهجرة الخارجية، وتحول الإمارة إلى مركز عالمي للأعمال والسياحة والابتكار، إضافة إلى التوسع العمراني والبنية التحتية.
من الأزمة إلى الانطلاقة
المرحلة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية (2008–2010) مثلت نقطة تحول لاقتصاد دبي. فمع نهاية عام 2009 بدأ تشغيل مترو دبي، بينما اكتمل بناء برج خليفة في 2010 ليصبح أطول مبنى في العالم.
هذه المشاريع الرمزية عززت ثقة المستثمرين، وأعطت دفعة قوية لجذب سكان جدد، سواء من الباحثين عن فرص عمل أو من المستثمرين الباحثين عن بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.
وأحد أبرز مظاهر النمو السكاني الأخير يتمثل في تحول دبي إلى ملاذ عالمي للأثرياء. فقد ارتفع عدد الوافدين من المملكة المتحدة والهند وروسيا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، بدافع من المناخ الاستثماري المستقر، والسياسات الضريبية الجاذبة.
وبحسب تقديرات شركات الهجرة العالمية، انتقل نحو 30 ألف بريطاني إلى دبي عام 2021، ليرتفع العدد إلى 35 ألفًا في 2022 و40 ألفًا في 2023، حتى وصل مجموع البريطانيين المقيمين في دبي اليوم إلى حوالي 240 ألف شخص.
كما أسهمت الحرب الروسية–الأوكرانية في 2022 في تدفق آلاف الروس والأوكرانيين إلى الإمارة، التي اعتُبرت بالنسبة لهم ملجأ آمنًا للأعمال والإقامة.
تقرير صادر عن شركة نيو وورلد ويلث لصالح “هينلي آند بارتنرز” أوضح أن عدد أصحاب الملايين في دبي تضاعف خلال العقد الماضي، حيث ارتفع في 2024 إلى نحو 81,200 مليونير، إضافة إلى 237 من أصحاب الثروات الضخمة و20 مليارديرًا.
تحولات عمرانية ومعالم جديدة
النمو السكاني الهائل ترافق مع قفزات عمرانية وبنية تحتية غير مسبوقة:
قناة دبي التي افتُتحت في 2018 وأعادت تشكيل خريطة المدينة العمرانية.
متحف المستقبل (2022) وإطار دبي (2018) كمشاريع سياحية وثقافية رمزية.
توسع كبير في قطاع التسوق مع دبي مول الذي يجذب أكثر من 84 مليون زائر سنويًا، إلى جانب افتتاح مول الإمارات الموسع وسيتي ووك ونخيل مول.
قفزة في النقل العام، حيث ارتفع عدد الرحلات من 289 مليون رحلة في 2010 إلى أكثر من 747 مليون رحلة في 2024، مع توسع شبكة المترو وبدء مشروع الخط الأزرق.
كما أصبح مطار دبي الدولي الأكثر ازدحامًا عالميًا من حيث الحركة الدولية منذ 2016، مما عزز مكانة الإمارة كبوابة رئيسية بين الشرق والغرب.
خطة 2040: “مدينة الـ20 دقيقة”
النمو السكاني المتسارع يُطرح معه سؤال المستقبل. وفق خطة دبي الحضرية الكبرى 2040، التي أُطلقت عام 2020، تهدف الإمارة إلى استيعاب ما يقارب 6 ملايين نسمة بحلول 2040.
ويؤكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة حاكم دبي، أن الرؤية المستقبلية ترتكز على الاستدامة وتوفير الخدمات الأساسية ضمن مسافة قصيرة من أماكن السكن والعمل، بحيث تصبح دبي “مدينة الـ20 دقيقة”، حيث يمكن للساكن الوصول إلى كل ما يحتاجه في حياته اليومية خلال وقت قصير.
ومع اقتراب عدد السكان من الأربعة ملايين، تواصل دبي كتابة قصة نمو استثنائية في المنطقة والعالم. من مدينة صغيرة يسكنها مئات الآلاف قبل نصف قرن، إلى مركز عالمي يضم ملايين البشر من أكثر من 200 جنسية، تثبت دبي أن النمو السكاني يمكن أن يكون انعكاسًا مباشرًا للنجاح الاقتصادي والانفتاح الحضري.
وبينما يترقب المراقبون تخطي حاجز الأربعة ملايين قريبًا، تتطلع الإمارة إلى المستقبل حيث تسعى لتصبح المدينة الأفضل للعيش والعمل عالميًا بحلول عام 2040.