ألمانيا تقود التحول الأوروبي نحو تشديد سياسات الهجرة

by hayatnews
0 comment

برلين – في تحول لافت يغيّر ملامح النقاش الأوروبي بشأن الهجرة، بدأت حكومة المستشار الألماني فريدريش ميرز في قيادة دفّة السياسات المناهضة للهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، متخلية عن نهج الحكومات الألمانية السابقة التي حاولت التوفيق بين المواقف المتشددة والمقاربات الإنسانية.

وتُشير هذه الخطوة إلى أن ألمانيا – أكبر اقتصاد أوروبي وذات الثقل السياسي الأكبر في الاتحاد – باتت تمهّد الطريق لتحول جذري في السياسات الجماعية المتعلقة باللجوء والهجرة، الأمر الذي يُنذر بمرحلة جديدة من التشدد في إدارة الهجرة داخل التكتل الأوروبي.

من “الفرملة” إلى “الدفع”
لسنوات، لعبت ألمانيا دور المكبح في وجه الخطاب المناهض للهجرة، خاصة في أعقاب “أزمة اللاجئين” عام 2015، عندما استقبلت مئات الآلاف من طالبي اللجوء. لكن تحت قيادة ميرز، تُغيّر برلين موقعها لتصبح “القوة الدافعة”، بحسب تعبير وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت، الذي استضاف قمة رمزية بشأن الهجرة على قمة جبل تسوغشبيتسه في جبال الألب البافارية، بمشاركة وزراء من دول ذات توجهات صارمة كالنمسا، الدنمارك، وبولندا.

وقال دوبريندت في القمة التي عُقدت على ارتفاع 3 آلاف متر تقريباً: “نريد أن نوضح أن ألمانيا لم تعد تلعب دور المكبح في سياسات الهجرة الأوروبية، بل أصبحت المحرّك”.

دعم أوروبي متزايد للموقف الألماني
قوبل التحول الألماني بترحيب واسع من المفوضية الأوروبية وبعض دول الاتحاد الأكثر تشدداً. وأكد ماغنوس برونر، مفوض الهجرة بالاتحاد الأوروبي، أن المساهمة الألمانية الجديدة ستُسرّع من تنفيذ الخطط الأوروبية الهادفة إلى تشديد ضوابط اللجوء، ومنها تسريع عمليات الترحيل، وتوطين المهاجرين في دول ثالثة خارج الاتحاد.

كما أبدى وزير الهجرة الدنماركي، كار ديبفاد، دعمه الواضح للدور الألماني الجديد، قائلاً: “ألمانيا تقود هذه المحادثات الحاسمة، ونحن سعداء بذلك”.

نحو تبني سياسات شبيهة بـ”خطة رواندا”
يتضمن التحول في موقف برلين إشارات إلى استعداد الحكومة لتبنّي سياسات أكثر تطرفًا في إدارة الهجرة. فالمستشار ميرز سبق أن أبدى إعجابه بخطة المملكة المتحدة التي حاولت إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، واصفًا إياها بأنها “نموذج يمكن لأوروبا أن تدرسه وتتكيف معه”.

ويُتوقع أن تدفع ألمانيا بقوة نحو إدراج بنود في السياسة الأوروبية تسمح بمعالجة طلبات اللجوء خارج حدود الاتحاد، وترحيل المهاجرين إلى “دول ثالثة آمنة” – وهي أفكار كانت مرفوضة حتى وقت قريب في الأوساط السياسية الأوروبية.

تأثير حزب البديل من أجل ألمانيا
لا يمكن فصل هذا التحول الألماني عن تصاعد الضغوط الداخلية على حكومة ميرز، خصوصًا من حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف، الذي بات أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ. ومع تصاعد شعبية الحزب بين قواعد المحافظين، يسعى ميرز إلى استعادة زمام المبادرة بإظهار حزم أكبر في ملف الهجرة.

تقول رافينا سوهست، المحللة في معهد سياسات الهجرة: “لطالما كانت ألمانيا من أبرز الأصوات المعتدلة داخل الاتحاد الأوروبي، لكن مع هذا التحول، بات التيار الأوروبي السائد في قضايا الهجرة يميل بوضوح إلى اليمين”.

خلافات داخل الاتحاد الأوروبي
رغم التحول الألماني، لا تزال هناك انقسامات حادة داخل الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية تطبيق السياسات الجديدة. ففي حين توصلت الدول الأعضاء إلى اتفاق شامل لتحديث قوانين اللجوء، لا تزال هناك خلافات حول آليات تقاسم الأعباء، وتوزيع طالبي اللجوء، وإنشاء مراكز استقبال خارج حدود التكتل.

وتبقى المصالح متباينة بين دول الجنوب، مثل إيطاليا واليونان، التي تطالب بمزيد من الدعم في إدارة تدفقات اللاجئين عبر المتوسط، ودول الشمال، التي تسعى إلى إبقاء الحدود الخارجية محكمة لمنع تسرب اللاجئين إلى أراضيها.

ويقول مراقبون إن غياب ممثلي جنوب أوروبا عن قمة تسوغشبيتسه يعكس اتجاهًا جديدًا لبناء تحالفات داخل الاتحاد تفضّل مواقف متشددة يقودها المحور الألماني–الدنماركي–النمساوي.

إعادة تشكيل الأولويات الأوروبية
مع احتدام المفاوضات بشأن الخطة الجديدة التي من المفترض بدء تنفيذها في العام المقبل، بات واضحًا أن ألمانيا تعيد تشكيل أولوياتها وتعمل على حشد دعم أوروبي واسع لسياسات تراها أكثر توافقًا مع “المصلحة الوطنية”.

ويبدو أن هذا النهج سيتعارض مع روح “التمسك بالتضامن الأوروبي” الذي كان سائدًا في مرحلة ما بعد 2015، ليحلّ مكانه منطق جديد مفاده: السيطرة على الهجرة أولاً، ولو على حساب التماسك الأوروبي.

ومع استمرار ميرز في دفع الأجندة المتشددة إلى الأمام، يُتوقع أن يكون ملف الهجرة أحد أبرز محاور التوتر السياسي داخل الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة.

You may also like

Leave a Comment