مع استعداد كوبنهاغن لتسلم الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي مطلع يوليو/تموز، يستعد التكتل لمقاربة أكثر تشددًا في ملف الهجرة تحت قيادة رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن، التي تُعرف بأنها إحدى أبرز رموز “اليسار الصلب” في أوروبا.
رغم انتمائها إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي، فقد بنت فريدريكسن سمعتها السياسية على سياسة هجرة صارمة، عادة ما تلقى انتقادات من اليسار أكثر من اليمين. والآن، تُحضّر لتوسيع تأثير نهجها على مستوى الاتحاد بأسره، مستفيدة من منصب الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي الذي يتطلب تقليديًا العمل كـ”وسيط نزيه”، لكنها ترى فيه فرصة لإضفاء طابع أوروبي على أجندتها الوطنية.
الهجرة والأمن وجهان لعملة واحدة
ترى فريدريكسن أن قضية الهجرة غير النظامية لا تنفصل عن القضايا الأمنية الأكبر، وعلى رأسها التهديد الروسي المتصاعد. وقالت في تصريحات سابقة: “عندما تسأل الناس عن الأمن، سيُجيبك كثيرون بأنهم قلقون من روسيا، لكن الأمن يبدأ أيضًا من مجتمعك المحلي”، في إشارة إلى أن ضبط الهجرة هو جزء من أمن المواطن الأوروبي.
وبحسب دبلوماسيَين في الاتحاد الأوروبي، فإن كوبنهاغن تنوي خلال رئاستها دفع ملفات حساسة تتعلق بفرض قواعد أكثر صرامة لطالبي اللجوء، والترويج لفكرة مراكز العودة خارج حدود الاتحاد، وهي المراكز التي يُمكن أن يُحتجز فيها المهاجرون إلى حين البت في طلباتهم أو تنفيذ عمليات ترحيلهم.
مراكز العودة على الطاولة الأوروبية
بعد أن اقترحت المفوضية الأوروبية إطارًا قانونيًا لإنشاء هذه المراكز في مارس/آذار، تعتزم كوبنهاغن استخدام رئاستها للدفع بالمفاوضات قدُمًا، على الرغم من أن الانتهاء من هذا الملف قبل نهاية ديسمبر/كانون الأول يبدو غير مرجح. وتحظى فريدريكسن بدعم زعيمة إيطاليا جورجيا ميلوني، التي تخوض معركة قانونية حاليًا لإقامة مركز مماثل في ألبانيا، في ظل اعتراضات من القضاء المحلي.
كما تسعى الدنمارك إلى الدفع بمبادرات إضافية تشمل إعادة النظر في تفسير قوانين حقوق الإنسان لتسهيل عمليات الترحيل، إضافة إلى إبرام اتفاقات استثمارية مع دول ثالثة لاحتواء الهجرة من المنبع.
دعم أوروبي متزايد لنهج فريدريكسن
تجد فريدريكسن دعمًا متزايدًا داخل المجلس الأوروبي، إذ باتت دول عديدة، من بولندا إلى ألمانيا، تتبنى نهجًا أكثر صرامة في ملف الهجرة. وفي مايو/أيار الماضي، دعت تسع دول، من بينها الدنمارك، إلى مراجعة تفسير الاتحاد الأوروبي للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، تمهيدًا لتعديل الممارسات القانونية المتصلة بترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
ويرى مراقبون أن هذا التحول يعكس تنامي شعبية الخطاب الأمني المرتبط بالهجرة، خاصة في ظل استحقاقات انتخابية مقبلة في عدة دول، بما فيها الدنمارك.
أجندة دفاعية متوازية
لا يقتصر طموح الدنمارك الأوروبي على ملف الهجرة. ففي ملف الدفاع، تطمح فريدريكسن إلى الدفع بمشاريع أوروبية مشتركة لتعزيز جاهزية الاتحاد لمواجهة التهديدات، وعلى رأسها التوسع الروسي. وتُعارض كوبنهاغن فكرة الديون المشتركة لتمويل الدفاع، لكنها تدعم إنشاء مشاريع محددة، مثل التزود المشترك بالوقود جوًا، تكون موضع توافق بين جميع الدول الأعضاء.
ويرى دبلوماسيون أن الاتفاق المسبق على المشاريع سيسهّل مناقشة آليات التمويل، حتى في ظل خلافات قائمة حول أدوات الاقتراض الأوروبية.
إصلاحات اقتصادية وحذَر دنماركي
بالإضافة إلى الهجرة والدفاع، تُشرف الدنمارك خلال رئاستها على مناقشات تتعلق بتوسيع الاتحاد ليشمل أوكرانيا ومولدوفا، إضافة إلى الدفع باتجاه إصلاحات اقتصادية لتحسين القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي. لكن المسؤولين في كوبنهاغن يبدون حذرًا بشأن قضايا مثل توحيد أسواق رأس المال الأوروبية، التي تعتبرها بعض العواصم خطوة حساسة سياسيًا في ظل الشكوك تجاه التكامل المالي العميق.
تأثير داخلي مرتقب
على الصعيد الداخلي، يأمل حلفاء فريدريكسن أن يُعزّز نجاحها في قيادة الاتحاد الأوروبي فرصها السياسية في الدنمارك، وسط توقعات بترشحها لولاية جديدة، وربما الدعوة إلى انتخابات مبكرة إذا واصلت أرقام استطلاعات الرأي صعودها. فحزبها الديمقراطي الاجتماعي يتصدر المشهد السياسي محليًا بنسبة 23% من نوايا التصويت، متقدماً بفارق مريح على أقرب منافسيه.
ومع أن الرئاسة الدورية للاتحاد لا تمنح كوبنهاغن سلطات تنفيذية مباشرة، فإنها تتيح لفريدريكسن فرصة نادرة لفرض رؤيتها الأوروبية الصارمة، وربما إعادة رسم سياسات الاتحاد في ملفات الهجرة والدفاع خلال الأشهر الستة المقبلة.