في خطوة تعكس عمق التعاون الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، أعلنت الدولتان في السادس والعشرين من مايو 2025 عن اكتشاف نفطي جديد في حقل الوفرة الشمالي، المعروف باسم “وره-برقان”، الواقع ضمن المنطقة المحايدة المشتركة بين البلدين. ويُعد هذا الإعلان أول كشف نفطي جديد منذ استئناف العمليات في المنطقة المقسومة عام 2020، ويمثل تطورًا مهمًا في مسار الاستكشافات النفطية المشتركة.
ووفقًا لما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، تدفق النفط الخام من مكمن الوره في البئر المسماة “وره-برقان-1” بمعدل إنتاج تجاوز خمسمئة برميل يوميًا. ورغم أن هذا الرقم قد لا يبدو مرتفعًا، إلا أن التقديرات الفنية تشير إلى إمكانات واعدة في المكمن، ما يفتح الباب أمام تقييمات أعمق للتوسع في عمليات التنقيب وتقدير حجم الاحتياطات الفعلية.
يمثل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نظرًا لدلالاته الاستراتيجية، إذ يعكس نجاح البلدين في استئناف العمل في المنطقة المحايدة بعد سنوات من التوقف، ويؤكد التزامهما المشترك بتطوير الموارد المشتركة بطرق عادلة ومتوازنة. ويُنظر إلى المنطقة المحايدة، التي تُعرف أيضًا باسم “المنطقة المقسومة”، على أنها واحدة من أبرز مناطق التعاون الثنائي في الخليج، حيث تُدار مواردها بموجب اتفاقيات تقاسم متكافئة تم توقيعها منذ ستينيات القرن الماضي.
المنطقة المحايدة تمتد على مساحة تقارب خمسة آلاف وسبعمئة كيلومتر مربع، وتضم حقولًا نفطية مهمة، أبرزها حقل الوفرة البري وحقل الخفجي البحري. وقد شهدت هذه المنطقة توقفًا في الإنتاج بين عامي 2014 و2020 نتيجة خلافات إدارية وفنية، قبل أن يبرم البلدان اتفاقًا جديدًا في نهاية عام 2019 أعاد تفعيل العمل في الحقول المشتركة.
يرى محللون في قطاع الطاقة أن الإعلان عن هذا الاكتشاف يحمل رسائل تتجاوز الجانب الفني. فهو يعبّر عن استمرارية التنسيق بين البلدين، ويعكس رغبتهما في تعزيز موقعهما كموردين موثوقين للطاقة على مستوى العالم، في وقت تواجه فيه الأسواق تقلبات متزايدة ومنافسة محتدمة بين كبار المنتجين.
كما يشير الإعلان إلى تطور القدرات التقنية للجانبين في مجال التنقيب في مناطق ناضجة أو غير مستكشفة بالكامل. ورغم أن المكمن المكتشف لا يزال في مرحلة التقييم الأولي، فإن النجاح في استخلاص النفط بمعدل مستقر من أول بئر محفورة يمثل مؤشراً مشجعاً على إمكانات استثمارية طويلة الأمد.
من الناحية الاقتصادية، يأتي الاكتشاف في وقت حرج تشهده أسواق الطاقة، حيث تسعى الدول المنتجة إلى تعزيز حصصها السوقية وسط استمرار التحول نحو مصادر الطاقة البديلة. ومع ذلك، لا تزال الحاجة إلى النفط قائمة، لا سيما في قطاعات النقل والصناعة، ما يجعل مثل هذه الاكتشافات ذات أهمية مستمرة.
وقد علّق مسؤول سعودي في وزارة الطاقة على الإعلان بقوله إن هذا التطور يعكس التزام المملكة بتعزيز أمن الطاقة العالمي، بالتوازي مع تطوير مصادر الطاقة المستدامة. وأضاف أن الشراكة مع الكويت في هذا المجال تمثل نموذجًا ناجحًا للتعاون الإقليمي في إدارة الموارد المشتركة.
من الجانب الكويتي، أعرب مصدر مسؤول عن ترحيبه بالنجاح المشترك، مؤكدًا حرص بلاده على الاستمرار في التنسيق مع السعودية لتطوير إمكانات المنطقة المحايدة بما يحقق المصالح المشتركة، ويعزز من مكانة البلدين في الأسواق العالمية.
ومع أن معدلات الإنتاج الأولية محدودة، إلا أن التطورات الجيولوجية والتقنية قد تفضي إلى توسيع عمليات الحفر في مكامن أخرى مجاورة، أو إعادة تقييم احتياطيات سابقة أُهملت أو لم يتم استغلالها بالشكل الأمثل.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تمهّد لموجة جديدة من الاستثمارات في البنية التحتية في المنطقة، سواء من خلال تعزيز قدرات الإنتاج أو تحديث خطوط الأنابيب أو توسيع مرافق التخزين والنقل.
كما أن الإعلان عن هذا الاكتشاف يأتي في سياق جهود أوسع تبذلها المملكة والكويت لتحقيق التوازن بين تطوير موارد الطاقة التقليدية والتوجه نحو مزيج طاقي أكثر تنوعًا، في إطار الاستراتيجيات الوطنية طويلة المدى، كـ”رؤية السعودية 2030″ و”رؤية الكويت 2035″.
في المحصلة، يعيد هذا الكشف تسليط الضوء على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للمنطقة المحايدة، ويبرز كيف يمكن للتعاون الإقليمي أن يؤدي إلى تحقيق مكاسب استراتيجية للطرفين، حتى في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع الطاقة على المستوى العالمي.