تتحرك الولايات المتحدة بخطوات سياسية ودبلوماسية متسارعة لإقناع الحكومة السورية الجديدة بإنهاء المواجهات مع الأقليات، في مسعى يهدف إلى تعزيز الاستقرار الداخلي، وفتح الطريق أمام مرحلة من إعادة الإعمار والانفتاح الإقليمي. وبحسب مصادر أردنية مطلعة، فإن واشنطن عرضت على دمشق حزمة من الحوافز السياسية والاقتصادية، تتضمن تشكيل تحالف دولي تحت اسم “أصدقاء سوريا” لدعم التعافي وإعادة البناء، مقابل تغييرات في بنية الحكم والسياسات الداخلية.
اجتماع في عمان ومجموعة عمل لوقف إطلاق النار
عُقدت في العاصمة الأردنية عمان، يوم الثلاثاء، جلسة مباحثات جمعت المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، لمناقشة أحداث العنف الأخيرة في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وأسفرت المحادثات عن اتفاق لتشكيل مجموعة عمل ثلاثية تضم سوريا والأردن والولايات المتحدة، تتولى الإشراف على تثبيت وقف إطلاق النار وضمان استمرار الهدوء في المنطقة.
الملك عبد الله الثاني، الذي التقى كلًّا من الشيباني وباراك على حدة، أعرب عن دعمه لجهود دمشق في الحفاظ على أمنها واستقرارها وسيادتها، وأبدى استعداد الأردن لتقاسم خبراته في مختلف المجالات للمساعدة في إعادة بناء مؤسسات الدولة. كما دعا إلى تعزيز التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب والتصدي لعمليات تهريب المخدرات.
شروط واشنطن وتطلعاتها
وفق المصادر، فإن الولايات المتحدة تشدد على ضرورة تشكيل حكومة وقوات أمن شاملة تعكس التنوع السوري، بدلًا من هيمنة المكون السني على الأجهزة الأمنية والمناصب العليا. وتشمل المطالب الأميركية تطهير قوات الأمن من المسلحين غير النظاميين، وكبح نشاط الجماعات شبه العسكرية، وتعيين تكنوقراط في المناصب الحكومية بدلاً من القيادات العسكرية السابقة التي ارتبطت بالمعارضة المسلحة.
المصادر أشارت إلى أن التحالف المقترح سيضم إلى جانب الولايات المتحدة كلًّا من الأردن وتركيا ودول الخليج، بهدف تقديم الدعم السياسي والمالي واللوجستي، وتشجيع دمشق على السير في مسار إصلاحي يضمن حقوق الأقليات ويحفظ وحدة البلاد.
خلفية الصراع في السويداء
شهدت محافظة السويداء في الأسابيع الأخيرة أعنف موجة اشتباكات منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. الاحتجاجات والاشتباكات اندلعت على خلفية مطالب درزية بإقرار دستور مدني يحد من صلاحيات النظام الجديد، وضمان تمثيل عادل في المؤسسات الأمنية والسياسية.
تطويق السويداء من قبل القوات الموالية للرئيس السوري أحمد الشرع أثار قلقًا داخليًا ودوليًا، إذ تطالب واشنطن بالسماح لسكان المحافظة بحرية الحركة والوصول إلى دمشق دون قيود. الهجوم على السويداء جاء بعد أشهر من حوادث دموية، بينها مجازر بحق مدنيين من الطائفة العلوية في مارس الماضي، ما عزز المخاوف من انزلاق البلاد مجددًا إلى دوامة الصراع الطائفي.
تحذيرات من تداعيات أوسع
مصادر دبلوماسية حذرت من أن استمرار الشرع في الاعتماد على المسلحين المحليين لإدارة شؤون المناطق قد يهدد استقرار الجنوب ويفتح المجال أمام تصعيد في مناطق أخرى، بما فيها الشرق السوري الذي يشهد توترًا متزايدًا مع الأكراد. كما أشار أحد المسؤولين إلى أن التوغلات الإسرائيلية في الجنوب كشفت هشاشة الموقف العسكري، محذرًا من أن “الجنوب يمكن أن يسقط بسهولة إذا لم يتم ضبط الأوضاع”.
اشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية
التوترات لم تقتصر على الجنوب، إذ أفادت وسائل إعلام رسمية بمقتل جندي سوري في اشتباك مع قوات سوريا الديمقراطية في ريف حلب الشرقي، بعد محاولة الأخيرة التسلل إلى مواقع تابعة للجيش السوري. هذه الحادثة جاءت في أعقاب فشل جولة محادثات رعتها الولايات المتحدة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية الشهر الماضي، ما ألقى بظلال قاتمة على آمال تثبيت الهدنة المعلنة في مارس.
آفاق المبادرة الأميركية
المبادرة الأميركية، إذا ما تم تنفيذها، قد تمثل فرصة تاريخية لإعادة صياغة التوازنات السياسية في سوريا، وضمان مشاركة فعلية لجميع المكونات في الحكم. لكن نجاحها يتوقف على استعداد دمشق لتقديم تنازلات جوهرية، والتزام الأطراف الإقليمية والدولية بدعم العملية سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
في الوقت نفسه، يبقى التحدي الأكبر هو تحويل الهدنة الهشة في السويداء وغيرها من المناطق إلى سلام مستدام، يمنع تجدد العنف الطائفي ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار في بلد أنهكته الحرب الأهلية والصراعات الإقليمية على مدى أكثر من عقد.