تشير تقارير متزايدة إلى معاناة مأساوية تعيشها نساء سعوديات محتجزات في ما يُعرف بـ”سجون إعادة التأهيل والرعاية”، التي تُوصف بأنها “مراكز جحيمية” تُستخدم كوسيلة لقمع النساء اللواتي يرفضن الطاعة أو يُتهمن بـ”العصيان” من قبل أسرهن.
تُحتجز العديد من النساء في زنازين انفرادية داخل هذه السجون، وتُعامل بقسوة شديدة تصل إلى الجلد كوسيلة لفرض “الانضباط” و”تعليم الطاعة”، وفقًا لشهادات حية حصلت عليها صحيفة “ذا صن” البريطانية ومنظمات حقوقية. وتكاد هذه المؤسسات لا تختلف عن السجون المغلقة، على الرغم من أنها تُسمى رسميًا “دور رعاية” أو “بيوت الرعاية”.
ظروف احتجاز مروعة
تُستخدم هذه المرافق العقابية في كثير من الحالات لمعاقبة النساء اللواتي يرفضن الاعتداءات الجنسية التي يتعرضن لها من أقرب الناس إليهن، سواء أزواجًا أو أقارب، حيث يتم إرسالهن إلى “دور الرعاية” كعقاب بدلاً من حماية حقوقهن. ويُحتجزن في زنازين انفرادية حتى “يتصالحن” مع المعتدين عليهن، ما يعني في الواقع إجبارهن على الصمت وقبول الانتهاكات.
تسجل تقارير منظمة القسط الحقوقية وجود أدلة واسعة على سوء المعاملة، تتراوح بين الإهمال الصحي، وسوء التغذية، وتدهور النظافة، بالإضافة إلى القسوة البدنية والانتهاكات المستمرة. وتُتهم هذه المؤسسات باستخدام الحبس الانفرادي المفرط، مع تسجيل حالات عديدة لمحاولات انتحار بين النزيلات خلال السنوات الماضية.
شهادات من داخل الجحيم
أحد أبرز الأصوات الناشطة في هذا المجال هي سارة اليحيى، التي تصدرت حملة من أجل إغلاق هذه الدور الوحشية. تحدثت سارة لصحيفة الغارديان عن تجربتها الشخصية، حيث تعرضت للتهديد من والدها بإرسالها إلى إحدى هذه السجون عندما كانت طفلة بسبب رفضها الخضوع لاعتداءاته الجنسية. وقالت بشجاعة إن النظام يُجبر النساء اللواتي تعرضن لاعتداءات أو حوامل من أقربائهن على الذهاب إلى هذه المراكز تحت ذريعة “حماية سمعة العائلة”.
وأضافت أن النساء يُجبرن على الاختيار بين البقاء في بيئة منزلية مليئة بالإساءة، أو العيش في ظروف معيشية قاسية داخل هذه المرافق. وأشارت إلى أن هذا الخيار لا يعني سوى المزيد من المعاناة والانتهاك.
من هم السجينات؟
تأسست دور الرعاية في الستينيات كمراكز لإعادة تأهيل النساء المتهمات بجرائم محددة. ولكن اليوم، تحولت إلى مراكز احتجاز للفتيات والنساء الشابات، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 7 و30 عامًا، واللاتي يُتهمن غالبًا بالانحراف أو العصيان، أو حتى بسبب اتهامات من قبل أقارب ذكور في عائلاتهن.
سجينة سعودية أخرى، لجأت إلى المنفى، وصفت هذه السجون بأنها “مثل الجحيم”، وكشفت أنها حاولت الانتحار خوفًا من الانتقال إلى واحدة منها. وقالت إن النساء يخضعن لتفتيش جسدي شامل واختبارات عذرية عند دخولهن، ويتم إعطاؤهن أدوية مهدئة. كما يتم مناداتهن بأرقام بدلاً من أسمائهن.
وفقًا لشهادتها، تتعرض السجينات للجلد إذا أخطأن بأي تصرف بسيط مثل قول اسم عائلتهن بدلاً من الرقم أو عدم أداء الصلاة. وتتعرض أيضًا للعقاب الشديد إن وُجدن مع امرأة أخرى بمفردهن، حيث يُتهمن باللواط ويُجلدن علنًا أمام الحراس.
قصص مأساوية ومحاولات هروب
تظهر لقطات فيديو لحظات محاولات يائسة للهروب من داخل هذه الزنازين، إذ حاولت إحدى السجينات تسلق سطح السجن بحثًا عن الحرية. وفي عام 2015، عُثر على امرأة معلقة من سقف غرفتها في أحد هذه السجون، وتركت رسالة تقول فيها: “قررت أن أموت لأهرب من الجحيم”.
وفي تقارير أخرى، يتحدث موظفون سابقون عن أنواع التعذيب النفسي والجسدي الشديد الذي يتعرض له الأطفال داخل هذه المؤسسات، كما تفيد شهادات أن بعض النساء قُتلن بعد إطلاق سراحهن بفترة قصيرة.
انتهاكات مستمرة ومحاولات إسكات الضحايا
أحد ضحايا هذه المؤسسات قالت إن والدها – الذي اعتدت عليه – قام بإرسالها إلى دار الرعاية بعد أن عبّرت عن معارضتها له ولإخوتها. كما اتُهمت بأنها جلبت العار للعائلة بسبب منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي التي تطالب بحقوق المرأة. وظلت محتجزة إلى أن سمح والدها بالإفراج عنها.
كما تؤكد منظمة القسط أن النساء والفتيات لا يمكن إطلاق سراحهن إلا تحت وصاية قريب ذكر، مما يعزز سيطرة الرجال على حياتهن حتى داخل السجون.
ومن العقوبات الأخرى التي فرضت على النساء، إجبارهن على الوقوف لساعات طويلة تصل إلى ست ساعات متواصلة كعقوبة على ما يُسمى “العصيان”.
إحصائيات معدودة
نادراً ما تُنشر بيانات رسمية عن هذه المرافق، لكن تقارير عام 2016 أفادت بأن حوالي 233 فتاة وامرأة محتجزات في سبعة مرافق عبر السعودية، في ظروف لا تكاد تختلف عن السجن.
تظل هذه القضايا واحدة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان إيلامًا في المنطقة، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية في منظومة حماية حقوق النساء في السعودية.