ميرز يضغط لإبرام اتفاق تجاري سريع مع ترامب… والاتحاد الأوروبي يخشى التنازلات القاسية

by hayatnews
0 comment

في خطوة وصفها مراقبون بأنها “مقامرة سياسية واقتصادية”، طالب المستشار الألماني فريدريش ميرز قادة الاتحاد الأوروبي بإبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة “في غضون أيام”، وسط تصاعد المخاوف من أن تجد بروكسل نفسها مضطرة لقبول اتفاق غير متوازن يكرّس أولويات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويهدد الصناعات الأوروبية.

جاءت دعوة ميرز قبيل قمة قادة الاتحاد الأوروبي المقررة يوم الخميس في بروكسل، حيث أدرجت المفوضية الأوروبية بندًا خاصًا لمناقشة آخر تطورات المفاوضات التجارية مع إدارة ترامب على جدول عشاء الزعماء.

وفي تصريحات صحافية، انتقد ميرز بشدة أسلوب المفوضية الأوروبية في التفاوض، واصفًا استراتيجيتها بأنها “معقدة للغاية وبطيئة”، مشددًا على أن الوقت قد حان لـ”التركيز والإلحاح”، خصوصًا مع اقتراب موعد التاسع من يوليو/تموز، حين تدخل الرسوم الجمركية الانتقامية حيز التنفيذ، وقد تصل إلى 50% على سلع أوروبية عدة إذا فشلت بروكسل وواشنطن في التوصل إلى اتفاق.

ترامب يفرض قواعد اللعبة

في ظل إصرار ترامب على اعتماد تعريفات جمركية قاسية كوسيلة لخفض العجز التجاري الهائل للولايات المتحدة، والذي بلغ هذا العام أكثر من تريليون دولار، منها 232 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي وحده، تجد بروكسل نفسها أمام خيارات محدودة، خاصة في ظل تهديد مباشر للصناعات الاستراتيجية مثل السيارات، والصلب، والأدوية، وأشباه الموصلات.

ومع تزايد الضغوط، يخشى المسؤولون الأوروبيون من أن يكون الاتفاق المرتقب مع واشنطن “نسخة مكررة” من اتفاق بريطانيا – الولايات المتحدة، الذي تضمّن فرض تعريفة أساسية بنسبة 10% مع استثناءات ضئيلة، وهو ما يُعد إنجازًا ضعيفًا من منظور القوى الاقتصادية الكبرى.

وقال دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي:
“ما زلت آمل أن تمتلك قوة اقتصادية بحجم الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 450 مليون مستهلك، نفوذًا أكبر من بريطانيا… ولكن لا يبدو أن واشنطن مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة”.

ميرز يواجه معارضة داخلية وخارجية

رغم دعم ميرز من شخصيات مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إلا أن دعوته لمفاوضات سريعة اصطدمت بتحذيرات من داخل فريق التفاوض الأوروبي، الذي يرى أن ترامب مستعد لتقديم “فتات” من التسهيلات الجمركية، لكنه في النهاية ماضٍ في فرض تعريفة بنسبة 10% على معظم السلع الأوروبية، مع نظام حصص صارم.

يقول دبلوماسي أوروبي مطّلع على المفاوضات:
“الإبقاء على التعريفة الجمركية الواسعة ليس التفويض الذي منحناه للمفوضية الأوروبية. نحتاج إلى اتفاق يستهدف الرسوم المؤذية تحديدًا، لا أن نقبل بعقوبة جماعية على صادراتنا”.

معركة السيارات.. قلب الصراع

قطاع السيارات الألماني – العمود الفقري للصادرات الأوروبية – هو المتضرر الأكبر من استراتيجية ترامب. وقد دفعت برلين باقتراح يتيح لشركات مثل بي إم دبليو ومرسيدس تعويض وارداتها إلى السوق الأمريكية عبر الإنتاج المحلي في مصانعها هناك، وهو ما طرحته وزيرة الاقتصاد كاتارينا رايش خلال زيارتها لواشنطن هذا الشهر.

لكن هذا الحل لا يحظى بعد بقبول أمريكي واضح، خاصة وأن صادرات السيارات الأوروبية إلى الولايات المتحدة تجاوزت 750 ألف وحدة في 2024، فيما لا يمكن لمنشآت التصنيع المحلية تعويض هذا الحجم الضخم ضمن نظام الحصص المحدود.

بروكسل تراهن على التنظيمات

في مواجهة تشدد واشنطن، تحاول المفوضية الأوروبية استثمار رغبة ترامب القديمة في “توحيد المعايير التنظيمية” للسيارات كوسيلة ضغط. ففي مايو/أيار الماضي، عرضت بروكسل على واشنطن مواءمة لوائحها مع المعايير الأمريكية الخاصة بالمركبات ذاتية القيادة، وهو تنازل كبير أعاد للأذهان فشل اتفاقية الشراكة التجارية عبر الأطلسي قبل عقد.

ورغم هذه التحركات، يرى مراقبون أن عرض بروكسل قد لا يكون كافيًا أمام سعي ترامب لتوطين الصناعة وجذب الاستثمارات إلى الداخل الأمريكي تحت شعار “أمريكا أولًا”، ما يُضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على التفاوض.

أوروبا بين المطرقة والسندان

بين ضغوط ميرز وتسارع مواعيد فرض الرسوم، تجد المفوضية الأوروبية نفسها عالقة بين سيناريو قبول اتفاق سريع وناقص يُرضي ترامب، أو المغامرة بانهيار المفاوضات واندلاع حرب تجارية جديدة قد تُلحق أضرارًا هائلة بالاقتصاد الأوروبي المتباطئ أصلًا.

ورغم أن بعض الزعماء لا يزال يأمل في تحقيق اختراق لحماية قطاعاتهم، إلا أن النبرة السائدة في بروكسل هي الحذر والتوجس، وسط قناعة متزايدة بأن ترامب لا يفاوض، بل يفرض، وأن على أوروبا أن تتعلم التفاوض “من موقع القوة” لا “الخضوع المسبق”.

You may also like

Leave a Comment