تستعد عدة دول أوروبية لتقديم طلبات للحصول على مليارات اليوروهات من قروض رخيصة مقدمة من الاتحاد الأوروبي لشراء الأسلحة بشكل مشترك، في خطوة تهدف إلى دعم أوكرانيا عسكريًا وتعزيز الدفاعات الأوروبية، في ظل مؤشرات على تراجع الدعم الأميركي لكييف.
القروض، البالغ مجموعها 150 مليار يورو، تندرج ضمن برنامج “إعادة تسليح أوروبا” (ReArm Europe)، الذي أطلقته المفوضية الأوروبية في مارس/آذار، ويهدف إلى تقوية الصناعات الدفاعية الأوروبية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، التي وفّرت معظم المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي الشامل في 2022.
حلفاء أوكرانيا يطالبون بالمليارات
مع اقتراب الموعد النهائي يوم الثلاثاء لتقديم طلبات الحصول على القروض، أكدت دول مثل بولندا، جمهورية التشيك، لاتفيا، بلغاريا واليونان نيتها تقديم طلبات للاستفادة من البرنامج، بينما تدرس دول أخرى كـفنلندا، الدنمارك، إستونيا، ليتوانيا وسلوفاكيا اتخاذ القرار ذاته.
وقال كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليوناني، يوم الاثنين إن بلاده ستتقدم بطلب قرض بقيمة 1.2 مليار يورو، مشيرًا إلى أن الخطة توفر فرصة لتعزيز الأمن القومي وفي الوقت ذاته دعم أوكرانيا.
كما يُتوقع أن تتقدم فرنسا بطلب رسمي للحصول على قرض، رغم قيود ميزانيتها. في المقابل، من المتوقع أن تمتنع ألمانيا والسويد وهولندا عن المشاركة، رغم إمكانية استفادتها من نظام الشراء المشترك دون اللجوء إلى القروض.
شراكة في الإنتاج والدعم لأوكرانيا
بحسب مفوض الدفاع الأوروبي أندريوس كوبيليوس، فإن نحو 20 دولة أعربت عن اهتمامها المبدئي بالبرنامج، متوقعةً أن يصل إجمالي القروض المطلوبة إلى 100 مليار يورو على الأقل. وسيظل الباب مفتوحًا حتى ما بعد الموعد النهائي، وفقًا لتصريحات رسمية من بروكسل.
وشدد كوبيليوس والمفوض الاقتصادي فالديس دومبروفسكيس على أهمية تضمين أوكرانيا في عمليات الشراء، سواء عبر المشتريات لأوكرانيا أو من أوكرانيا نفسها، بما يسهم في دعم الصناعة الدفاعية الأوكرانية ورفع قدراتها الإنتاجية، إضافة إلى تعزيز تكاملها التكنولوجي مع الاتحاد الأوروبي.
شروط القروض: 45 عامًا للسداد
توفر خطة القروض الأوروبية فترة سداد تصل إلى 45 عامًا، مع دفعات مقدّمة بنسبة 15%، في تمويل مشترك يعتمد على تصنيف الاتحاد الأوروبي الائتماني المرتفع (AAA)، ما يجعل هذه القروض أرخص من تلك التي قد تحصل عليها الدول بشكل فردي من الأسواق.
لكن دولًا ذات تصنيفات ائتمانية قوية، مثل السويد والدنمارك سابقًا، أبدت تحفظات على الاقتراض المشترك. ومع اشتداد الضغط السياسي لتقديم دعم فوري لكييف، تبدو الدنمارك وفنلندا الآن أكثر انفتاحًا على الانضمام إلى المبادرة.
مخاوف من تراكم الديون
رغم الحوافز، أعربت بعض الدول عن مخاوف من إضافة القروض إلى مديونياتها، وخاصة الدول التي تخضع لإجراءات الاتحاد الأوروبي الرقابية بسبب تجاوزها حدود الإنفاق، مثل إيطاليا والنمسا. أما بلجيكا، ذات المديونية المرتفعة، فتخطط لطلب مبلغ يتراوح بين 7 و11 مليار يورو وفقًا لمصادر مطلعة.
من ناحية أخرى، من غير المرجح أن تقدم دول جنوب أوروبا البعيدة عن التهديد الروسي المباشر، مثل إسبانيا ومالطا، على هذه الخطوة.
ضغوط إضافية بعد تراجع واشنطن
تأتي هذه التحركات الأوروبية في وقت تتزايد فيه المؤشرات على تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تمويل المجهود الحربي في أوكرانيا، ما دفع بروكسل إلى تعزيز مبادراتها الخاصة لضمان استمرار دعم كييف، وتجنّب تركها في مواجهة الغزو الروسي دون دعم عسكري كافٍ.
وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن “هذا التحول في نهج الاتحاد الأوروبي نحو إنتاج مشترك وتسليح ذاتي يبعث برسالة واضحة: أوروبا بدأت تأخذ أمنها بيدها، لكن الثمن قد يكون سياسيًا واقتصاديًا باهظًا لبعض العواصم”.
والسباق الأوروبي نحو قروض الدفاع يعكس تحولا استراتيجيا في كيفية استجابة الاتحاد الأوروبي لأزمة أوكرانيا، في ظل شكوك متزايدة حول دور واشنطن المستقبلي. ومع أن بروكسل تعرض حزمة تمويل مغرية، إلا أن التباين بين الدول الأعضاء يكشف حجم التحدي في تحقيق وحدة دفاعية حقيقية داخل الاتحاد.