تدرس الحكومة المصرية تأمين سفينة جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، في خطوة تشير إلى تعمق اعتماد البلاد على الإمدادات الخارجية لتلبية احتياجات السوق المحلية المتزايدة، بعد عام واحد فقط من تموضعها كمُصدر للطاقة.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تراجع الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي، وتزايد الضغط على شبكة الكهرباء نتيجة ارتفاع الاستهلاك، خاصة في أشهر الصيف. وبحسب مصادر مطلعة على الخطط الحكومية، فإن السفينة الجديدة ستُضاف إلى الأسطول العائم الذي باتت مصر تعتمد عليه لتوفير الغاز، بما في ذلك السفينة Energos Powership التي وصلت مؤخرًا إلى ميناء الإسكندرية، والسفينة Hoegh Galleon العاملة في ميناء العين السخنة على البحر الأحمر.
كما تم بالفعل التعاقد على سفينتين إضافيتين؛ إحداهما Energos Eskimo التي يُتوقع أن تصل خلال الصيف الجاري، والأخرى مملوكة لشركة الطاقة التركية Botas. ورغم الطلبات المتزايدة من وسائل الإعلام، لم تُصدر وزارة البترول المصرية أي تعليق رسمي حول خطط ضم سفينة خامسة إلى منظومة الاستيراد.
تحوّل جذري في السياسات الطاقوية
يمثل هذا التوجه تحولًا نوعيًا في سياسة الطاقة المصرية. فبعد سنوات من الترويج لمصر كمركز إقليمي لتصدير الغاز، تسارع القاهرة اليوم إلى استيراده عبر محطات عائمة تُعرف بوحدات التخزين العائم وإعادة التغييز (FSRUs). وقد كثّفت مصر خلال الأشهر الـ12 الماضية تعاقداتها على هذه الوحدات في محاولة لتجاوز العجز المتزايد في الإنتاج المحلي.
وبالتوازي، تجري الحكومة مفاوضات مع كبرى شركات الطاقة العالمية، بما فيها أرامكو السعودية، وترافيغورا، وفيتول، لتأمين عقود توريد غاز طبيعي مسال تمتد حتى عام 2028. وتشير هذه الخطوات إلى أن مصر تتجه تدريجيًا نحو أن تصبح مستوردًا طويل الأجل للغاز، وهو ما قد يغير موقعها في سوق الطاقة الإقليمية ويزيد من الضغط على توازنات العرض والطلب العالمية.
تغييرات مرتقبة في البنية التحتية
وبحسب ذات المصادر، تُخطط مصر لاستبدال السفينة Hoegh Galleon بالسفينة Hoegh Gandria خلال الربع الرابع من عام 2026، في إطار تحسين كفاءة وحدات إعادة التغييز. كما يُتوقع تثبيت وحدات الاستيراد الجديدة في منشأة العين السخنة أو في مواقع مجاورة، بينما يُبنى حالياً مشروع بنية تحتية إضافية قرب مدينة الإسكندرية على ساحل البحر المتوسط.
غير أن هذه الخطط لا تزال خاضعة للتعديل، حسب المصادر، التي أكدت أن توقيت ومواقع تركيب الوحدات الجديدة قد يتغير بناءً على نتائج المفاوضات الجارية مع الشركات، والتطورات في سوق الغاز الإقليمية والدولية.
أزمة إنتاج وطلب متزايد
ويُعزى هذا التوسع في الاعتماد على الغاز المستورد إلى تراجع إنتاج مصر من الحقول المحلية، وعلى رأسها حقل “ظهر” في البحر المتوسط، بالتزامن مع ارتفاع حاد في الطلب المحلي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وزيادة استهلاك المصانع والمنازل للكهرباء.
وبينما كانت مصر قبل عام واحد تروّج نفسها كمصدّر رئيسي للغاز إلى أوروبا في ظل أزمة الطاقة العالمية، تجد نفسها اليوم مضطرة إلى التفاوض على واردات طويلة الأجل، في مشهد يعكس هشاشة توازن الطاقة الداخلي، وضرورة إعادة تقييم الاستراتيجية الوطنية للطاقة.