قدمت الحكومة المصرية للبرلمان ميزانيتها الوطنية 2025/2026، والتي تتوقع مستويات قياسية في الإنفاق والإيرادات مع الاعتماد بشكل كبير على الاستمرار في الاقتراض وخفض الدعم للوفاء بالتزاماتها.
وكانت الخطة التي قدمها وزير المالية أحمد كوجك وأطلق عليها اسم موازنة “النمو والاستقرار والشراكة مع مجتمع الأعمال” قد أقرها مجلس الوزراء قبل أسبوعين وهي الآن تنتظر موافقة مجلس النواب.
وتتوقع الميزانية زيادة الإيرادات العامة بنسبة 23%، ليصل الرقم إلى 3.1 تريليون جنيه مصري (60.6 مليار دولار)، مع توقع أن تمثل الإيرادات الضريبية 2.6 تريليون جنيه، أو 13% من الناتج المحلي الإجمالي.
ووصفت وزارة المالية هذه النسبة بأنها “أعلى نسبة ضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي منذ عقد من الزمان”، مما يعكس الجهود المبذولة لتوسيع القاعدة الضريبية من خلال التحول الرقمي وتبسيط إجراءات الامتثال.
ارتفعت الإيرادات الضريبية الحكومية بنسبة 38% خلال العام المالي الحالي لتصل إلى 1.4 تريليون جنيه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى آليات التحصيل الأكثر صرامة، بحسب كوشوك.
وتستهدف الموازنة الجديدة تحقيق فائض أولي بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل 807 مليارات جنيه، وخفض العجز الكلي في الموازنة إلى 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول يونيو/حزيران 2026.
ومع ذلك، ومع توقعات بارتفاع الإنفاق بنسبة 19.2% إلى 4.6 تريليون جنيه، تخطط مصر لاقتراض 3.6 تريليون جنيه إضافية خلال السنة المالية لتغطية التكاليف.
وستظل ديون الدولة مرتفعةً خلال العام المقبل، حيث تُشكل مدفوعات فوائد القروض القائمة 50% من نفقات الدولة في الموازنة الجديدة.
وستظل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى من 92%، وستبذل الوزارة جهودًا لخفضها بحلول السنة المالية التي تليها.
ودافع كوشوك عن خطة الاقتراض باعتبارها ضرورية لتمويل الاستثمارات الحاسمة في الرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعية.
وقد ارتفعت مخصصات الرعاية الصحية إلى 617.9 مليار جنيه إسترليني، بينما ارتفع تمويل التعليم ما قبل الجامعي إلى 684.7 مليار جنيه إسترليني. كما رُفعت مخصصات التعليم العالي والبحث العلمي إلى 358.2 مليار جنيه إسترليني لدعم النمو طويل الأجل.
وتتضمن الميزانية 742.5 مليار جنيه إسترليني لبرامج الحماية الاجتماعية، بزيادة قدرها 16.8% عن العام السابق، بما في ذلك التمويل الموسع لبرامج الغذاء المدعوم، ومبادرات الدعم الاجتماعي مثل التكافل والكرامة، والرعاية الصحية التي ترعاها الدولة.
من أهم عناصر الميزانية استمرار إصلاحات الدعم بموجب اتفاقية مصر مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار . وقد انخفض دعم الطاقة من 147 مليار جنيه مصري هذا العام إلى نحو 75 مليار جنيه في الميزانية الجديدة.
هذا الشهر، رفعت الحكومة أسعار الوقود لأول مرة في عام ٢٠٢٥، حيث ارتفعت أسعار البنزين والديزل بنسبة تصل إلى ١٤.٨٪. وارتفع سعر أسطوانات غاز البوتان المستخدمة في المنازل بنسبة ٣٣.٣٪.
وتعد هذه الخطوة الأحدث في سلسلة من تخفيضات الدعم على الغذاء والطاقة والتي كانت أحد الشروط الرئيسية للحصول على قرض صندوق النقد الدولي.
وأكدت وزارة البترول والثروة المعدنية أنه من المقرر إجراء جولة أخرى من زيادات أسعار الوقود في أكتوبر المقبل، في إطار الجهود المبذولة لمواءمة أسعار الطاقة المحلية مع مستويات السوق العالمية بحلول نهاية عام 2025.
ورغم هذه التعديلات، ستواصل الحكومة دعم الديزل والبوتان والبنزين منخفض الأوكتان للتخفيف من تأثير هذه التغييرات على قطاعات المجتمع المشمولة ببرامج الرعاية الاجتماعية.
صرح كوشوك أمام البرلمان يوم الثلاثاء بأن الحكومة تنفق 366 مليون جنيه يوميًا على دعم الوقود. وأقرّ بتحديات خفض الدعم، لكنه أكد على أهميته في تخفيف الضغوط المالية وإعادة تخصيص الموارد لتحقيق أهداف التنمية طويلة الأجل.
وترتبط موازنة 2025/2026 ارتباطًا وثيقًا بالتزامات مصر بموجب برنامج التسهيل الائتماني الممدد لصندوق النقد الدولي. ففي الشهر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على صرف 1.2 مليار دولار أمريكي لمصر بعد استكمال مراجعته الرابعة.
وفي حين أشاد صندوق النقد الدولي بالتقدم الذي أحرزته مصر في الإصلاحات مثل خفض الدعم ومرونة العملة، سلط الضوء على التحديات المستمرة مثل مستويات الديون المرتفعة، والتقدم البطيء في الإصلاحات الهيكلية، والدور المحدود للقطاع الخاص في دفع النمو.
وحث صندوق النقد الدولي مصر على تسريع الإصلاحات، بما في ذلك تقليص دور الدولة في الاقتصاد وإلغاء دعم الطاقة بالكامل.
ولتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي، حصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرًا على 7.5 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة من قطر خلال زيارته للدوحة.
ومن المتوقع أن تدعم هذه الأموال مشاريع البنية التحتية والصناعية، مما يوفر ضخًا للعملة الأجنبية لتحقيق الاستقرار في ميزان المدفوعات المصري.
ويظل الاستثمار في القطاع الخاص أيضاً محوراً رئيسياً للميزانية: إذ بلغت نسبة الاستثمارات التي تعزى إلى المؤسسات الخاصة 59% من إجمالي الاستثمارات في النصف الأول من السنة المالية الحالية.
وقد خصصت الحكومة تمويلاً كبيراً لقطاعات مثل الإنتاج الصناعي والسياحة والصادرات، لتشجيع المزيد من مشاركة القطاع الخاص.
وقال كوشوك إن الميزانية الجديدة تهدف إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد من 30% إلى 50% بحلول عام 2026.
وبالنظر إلى المستقبل، أشار الوزير إلى تحسن المؤشرات كدليل على مرونة مصر. فقد انخفض معدل التضخم بشكل حاد ، من 33.3% في مارس 2024 إلى 13.6% في مارس من العام الجاري، بينما استقرت الاحتياطيات الأجنبية عند 47.7 مليار دولار.