في قرار وصف بالتاريخي، أعلنت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، أن تغيّر المناخ يشكّل “تهديدًا عاجلًا ووجوديًا” للبشرية، وأكدت أن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري “ناتجة بشكل لا لبس فيه عن الأنشطة البشرية”، مما يضع التزامات قانونية على الدول لاتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة.
ويُنظر إلى الحكم بوصفه خطوة قوية نحو ترسيخ مبدأ “الملوّث يدفع”، مما يعزز قدرة الدول المتضررة من تغيّر المناخ على المطالبة بتعويضات من الدول الصناعية الكبرى المسؤولة عن الجزء الأكبر من الانبعاثات.
رأي استشاري تاريخي
قال القاضي يوجي إيواساوا، متحدثًا باسم المحكمة في قصر السلام بمدينة لاهاي، إن التحديات المناخية تستوجب من الدول تنفيذ التزاماتها بموجب معاهدات المناخ الدولية، مشددًا على أن “الدول الصناعية مطالبة بتولي زمام المبادرة في تقليل الانبعاثات، نظرًا لمسؤوليتها التاريخية”.
وأوضحت المحكمة أن رأيها الاستشاري جاء استجابة لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة التي طلبت من القضاة توضيح الالتزامات الدولية لحماية المناخ، وبيان العواقب القانونية التي تترتب على الدول التي تضر بنظام المناخ العالمي.
دعم للدول الجزرية والدول النامية
وكانت جمهورية فانواتو، الواقعة في جنوب المحيط الهادئ، في طليعة الدول المطالبة بالحكم، بدعم من أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية. وأكد وزير تغير المناخ في فانواتو، رالف ريجينفانو، الذي شارك في مظاهرة رمزية خارج المحكمة، أن القرار “يمثل تحولًا نوعيًا في النقاش حول العدالة المناخية”.
وأضاف: “لقد مررنا بثلاثة عقود من التفاوض دون تحقيق العدالة. هذا الحكم يعيد التوازن ويمنحنا أدوات قانونية جديدة”.
وكانت جلسات الاستماع التي عقدت في ديسمبر الماضي قد شهدت تقديم مداخلات شفوية من عدد غير مسبوق من الدول، من بينها اقتصادات كبرى وأخرى صغيرة منخفضة النمو، الأمر الذي سلّط الضوء على التفاوت في المسؤولية والقدرة على مواجهة آثار تغير المناخ.
عواقب قانونية محتملة
أوضح بايام أخافان، أستاذ القانون الدولي الذي مثّل بعض الدول الجزرية، أن الحكم “من أهم الآراء الاستشارية في تاريخ المحكمة”، لأنه يؤكد الالتزام الدولي بـ”منع الكارثة البيئية التي تهدد بقاء البشرية”.
وقالت جوانا سيتزر، الزميلة في معهد غرانثام لأبحاث المناخ، إن المحكمة “أوضحت أن على الدول واجبًا قانونيًا ليس فقط بمنع الضرر المناخي، بل بإصلاحه”، مشيرة إلى أن الحكم “يعزز الأساس القانوني لمطالبات التعويض المستقبلية ويمنح دفعة قوية للعدالة المناخية”.
انقسام في المواقف الدولية
ورغم أن الدول الغنية دعت المحكمة إلى اعتبار اتفاق باريس للمناخ أساسًا كافيًا للمساءلة، إلا أن الدول النامية رفضت ذلك باعتباره غير ملزم وضعيفًا في آليات الإنفاذ، مطالبة بإجراءات أكثر صرامة وقابلة للتطبيق.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أكدت التزامها باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، فإنها حثت المحكمة على عدم تجاوز هذه الأطر القانونية القائمة، في حين رأت الدول الصغيرة أن هذه الاتفاقيات لم تثبت فعاليتها في وقف أو تعويض الأضرار.
تحول في مسار المناخ العالمي
يرى المراقبون أن رأي المحكمة الاستشاري، رغم كونه غير ملزم قانونيًا، يحمل وزنًا سياسيًا كبيرًا من شأنه أن يؤثر على سير القضايا المناخية أمام المحاكم الوطنية والدولية في المستقبل، ويشجع على تحرك دولي أسرع وأكثر عدالة تجاه التغير المناخي.
قال وزير فانواتو: “إننا نأمل أن يكون هذا القرار بداية مرحلة جديدة من الالتزام العالمي الحقيقي… نحتاج إلى تغيير السرد، وهذا الحكم يقدمه بوضوح”.