أكدت محكمة الاستئناف التونسية الأحكام الصادرة بحق نحو 40 شخصية من المعارضة السياسية بتهم “التآمر على أمن الدولة” و”الانتماء إلى جماعة إرهابية”، في محاكمة أثارت جدلاً واسعًا محليًا ودوليًا.
وتراوحت الأحكام بين 10 و45 عامًا، بعد أن تم تخفيض بعضها مقارنة بالدرجة الأولى، حيث صدرت أحكام ابتدائية تصل إلى 66 عامًا لبعض المتهمين.
وشملت الأحكام رجل الأعمال كامل لطيف، الذي حُكم عليه بالسجن 45 عامًا بعد أن كان الحكم الابتدائي 66 عامًا، والسياسي المعارض خيام تركي، الذي خفّضت مدة سجنه من 48 إلى 35 عامًا.
كما شهدت الأحكام زيادة طفيفة في بعض القضايا الأخرى، مثل جوهر بن مبارك وغازي الشواشي ورضا بلحاج وعصام الشابي، الذين صارت أحكامهم تتراوح بين 18 و20 عامًا. وواصل بن مبارك إضرابه عن الطعام احتجاجًا على اعتقاله، واصفًا الحكم بأنه “تعسفي وغير عادل”.
وأكدت منظمة العفو الدولية أن قرار محكمة الاستئناف يمثل “اتهامًا مروعًا للنظام القضائي التونسي”، مشيرة إلى أن الحكومة استخدمت القضاء “للقضاء على المعارضة السياسية”.
وأضافت المنظمة أن الإجراءات القانونية الأساسية تم تجاهلها، بما في ذلك حرمان بعض المتهمين المحتجزين من حضور جلسات المحكمة، وعقد المحاكمات عن بعد، واستهداف محامين يمثلون المتهمين.
وشملت الأحكام أيضًا المحامي عياشي الحمامي، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات، مع احتمال اعتقاله ورفاقه قريبًا. فيما تم تخفيف أحكام بعض المعتقلين الآخرين، بما في ذلك الوزير السابق وزعيم حركة النهضة نور الدين البحيري، الذي خفّضت مدة سجنه من 43 إلى 20 عامًا.
وأيدت المحكمة أيضًا أحكامًا غيابية بحق الناشطة بشرى بلحاج حميدة والمفكر الفرنسي برنار هنري ليفي بالسجن لمدة 33 عامًا.
وتستمر الانتقادات الدولية، حيث دان فولكر تورك، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، “انتهاكات القانون التي تثير مخاوف خطيرة بشأن الدوافع السياسية” وراء المحاكمة.
وسبق للبرلمان الأوروبي أن صوت بأغلبية ساحقة على قرار يدعو إلى الإفراج عن المعتقلين بتهم تتعلق بممارسة حرية التعبير، وهو ما اعتبره الرئيس التونسي قيس سعيد “تدخلًا سافرًا” في الشؤون الداخلية.
وتأتي هذه الأحكام بعد أكثر من أربع سنوات من انقلاب سعيد في صيف 2021، الذي منح نفسه سلطات واسعة، وأدى إلى تراجع ملحوظ في الحقوق والحريات الأساسية في تونس، بحسب منظمات حقوقية محلية ودولية.
وفي إطار الإجراءات المستمرة ضد حرية التعبير، أُفرج مؤخرًا عن المحامية والكاتبة سونيا الدهماني بشكل مشروط بعد 18 شهرًا من الاحتجاز إثر إدانات سابقة بتهمة نشر “معلومات كاذبة”.
وتؤكد هذه الأحكام استمرار حملة قمع المعارضة في تونس، وسط انتقادات حقوقية دولية تتهم النظام باستخدام القضاء كأداة لإسكات المعارضين، وتقويض مؤسسات القانون واستقلالية القضاء، في سياق أزمة سياسية مستمرة منذ سنوات.