أثارت محكمة فيدرالية أمريكية جدلًا واسعًا بعدما شككت في قانونية اعتقال الصحفي البريطاني المؤيد لفلسطين سامي حمدي، معتبرة أن القضية تثير «تساؤلات دستورية خطيرة» بشأن حرية التعبير واستهداف الأصوات المنتقدة لإسرائيل.
وأصدرت المحكمة، مساء السبت، قرارًا يمنع وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) من نقل حمدي من ولاية كاليفورنيا، حيث يُحتجز حاليًا، إلى أي مكان آخر، إلى حين البت في طعنه القانوني ضد احتجازه.
وجاء القرار بعد أيام من اعتقاله في مطار سان فرانسيسكو الدولي أثناء جولة محاضرات له في الولايات المتحدة، تضمنت فعاليات مؤيدة لفلسطين ومنتقدة للحرب الإسرائيلية على غزة.
وقالت منظمة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، التي تتولى الدفاع القانوني عن الصحفي البريطاني، إن المحكمة أقرت بأن محاميه «أثاروا تساؤلات جدية حول ما إذا كان احتجازه انتقامًا مباشرًا من آرائه السياسية وخطاباته العامة».
ووصف فرع المنظمة في جنوب كاليفورنيا القرار بأنه «خطوة أولى مهمة نحو حماية حرية التعبير من التسييس الأمني».
وقال حسام عيلوش، المدير التنفيذي لفرع كير في جنوب كاليفورنيا: «لقد أدركت المحكمة أن هذه القضية تثير مخاوف دستورية عميقة، وتحركت لضمان ألا يتم ترحيل سامي أو عزله عن محاميه. إن النضال من أجل حريته هو نضال من أجل حرية التعبير للجميع».
اعتقال مفاجئ وسط جولة تضامن مع فلسطين
كان الصحفي سامي حمدي يقوم بجولة محاضرات في أنحاء أمريكا الشمالية، تناولت في معظمها انتقادات للسياسات الإسرائيلية في غزة والدعم الغربي لها.
وقبل اعتقاله بيوم واحد، ألقى حمدي خطابًا في فعالية نظمتها منظمة كير في ساكرامنتو، ندد فيها بما وصفه بـ«الإبادة الجماعية في غزة» ودعا إلى «موقف أخلاقي من واشنطن تجاه جرائم الاحتلال».
لكن بعد أقل من 24 ساعة، ألقت عناصر الهجرة والجمارك القبض عليه في المطار، حيث كان يستعد للسفر إلى فلوريدا لإلقاء كلمة أخرى.
ووصفت زوجته، سمية حمدي، الواقعة بأنها «اختطاف سياسي»، مؤكدة أن زوجها «يُعاقب بسبب آرائه وليس بسبب أي خرق للقانون».
وأضافت في تصريح نقلته كير: «إنهم يحتجزونه على بعد آلاف الأميال من أطفالنا الذين كانوا ينتظرون قضاء العطلة المدرسية معه. سامي رجل أسرة وصحفي ملتزم بالعدالة، وليس مجرمًا».
وأفادت عائلة الصحفي بأنه تعرض لألم حاد في جانبه الأيسر أثناء احتجازه، قبل أن يتلقى علاجًا ميدانيًا في مركز الاحتجاز.
حملات تحريض واستهداف إعلامي
جاء اعتقال حمدي بعد حملة تحريض إلكترونية من جماعات مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة.
فقد أعلنت إيمي ميكيلبورج، مؤسسة مجموعة «RAI» المؤيدة لإسرائيل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنها «ساهمت في كشف أنشطة حمدي»، متهمة إياه بـ«إضفاء الشرعية على الشبكات الجهادية» — وهو اتهام وصفه المدافعون عن حرية الصحافة بأنه «خطير ومضلل».
وقال مراقبون إن الحملة ضد حمدي تندرج ضمن نمط أوسع من استهداف الأصوات المؤيدة لفلسطين في الغرب، خاصة منذ تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة في العامين الماضيين.
قمع ممنهج للناشطين المؤيدين لفلسطين
تزامن اعتقال حمدي مع تصاعد الانتقادات لسياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه حرية التعبير في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ففي تقرير صدر في أبريل/نيسان الماضي، قالت هيومن رايتس ووتش إن أكثر من 3000 طالب أمريكي اعتُقلوا خلال عام 2024 لمشاركتهم في احتجاجات مناهضة للحرب الإسرائيلية على غزة داخل الجامعات الأمريكية.
ووصف التقرير الاعتقالات بأنها «محاولة ممنهجة لإسكات الأصوات المعارضة» وأن التبريرات الأمنية الرسمية كانت «واهية وغير قانونية».
من جهته، قال أحد محامي الدفاع في القضية إن اعتقال حمدي «ليس حادثًا معزولًا، بل يعكس نمطًا من التمييز السياسي الذي يستهدف غير المواطنين المؤيدين لفلسطين».
وأضاف: «نحن نتعامل مع سابقة خطيرة، فاحتجاز صحفي أجنبي بسبب آرائه السياسية هو انتهاك صريح للتعديل الأول للدستور الأمريكي».
قضية اختبار لحرية التعبير في أمريكا
القضية، التي يُتوقع أن تُعرض مجددًا أمام المحكمة الفيدرالية خلال الأسبوع المقبل، قد تتحول إلى اختبار قانوني رئيسي لمبادئ حرية التعبير في الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن الحكم النهائي سيكون مؤشراً على مدى استعداد القضاء الأمريكي لمواجهة الضغوط السياسية المرتبطة بإسرائيل والعلاقات الخارجية.
حتى الآن، لم تصدر وزارة الأمن الداخلي أو وكالة الهجرة والجمارك أي تعليق رسمي حول أسباب اعتقال حمدي أو طبيعة التهم الموجهة إليه، مما يعزز المخاوف من أن الاحتجاز سياسي الطابع وليس قانونيًا.
وفي ظل هذه التطورات، تتسع حملة التضامن مع الصحفي البريطاني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحت وسم #FreeSamiHamdi، إذ دعا ناشطون ومنظمات حقوقية إدارة بايدن إلى «إنهاء الملاحقات ضد الأصوات الحرة وإطلاق سراحه فورًا».
وبينما تبقى القضية مفتوحة على احتمالات قانونية وسياسية متعددة، يرى المدافعون عن حرية الصحافة أن سامي حمدي أصبح رمزًا جديدًا للثمن الذي يدفعه من يجرؤ على انتقاد إسرائيل في الغرب.