تشير بيانات وتقارير إعلامية إلى أن تشديد قواعد التأشيرات واشتراطات الاقتراض العقاري في الولايات المتحدة بدأ يقلّص تدفّق الطلاب والمهنيين الهنود، الذين كانوا لفترة طويلة يشكّلون الشريحة الأكبر من حاملَي تأشيرة العمل H-1B والطلاب الدوليين في أميركا.
وتتعرض جاذبية البلاد كوجهة للتعليم والعمل والسكن لضغوط متزايدة، مع انعكاسات اقتصادية واجتماعية على كلي الجانبين — الأميركي والهندي.
وبحسب معهد التعليم الدولي، بلغ عدد الطلاب الهنود في الولايات المتحدة حوالى 332 ألفا في العام الدراسي 2023-2024، بارتفاع 23.3% عن العام السابق، ليصبحوا أكبر فئة وطنية من بين الطلبة الأجانب، متقدّمين على الصينيين للمرة الأولى.
مع ذلك، أظهرت إحصاءات لاحقة انخفاضاً ملحوظاً في وصول الطلاب الهنود: نقلت شبكة CNN تراجعاً بنحو 45% في أعداد الوافدين بتأشيرات دراسية خلال شهري يوليو وأغسطس مقارنة بالفترة نفسها قبل عام — وهو تراجع كبير يزيد المخاوف بشأن استمرار معدلات التسجيل.
من أين جاءت الضغوط؟
الضغوط متعددة المصادر: تشديد شروط التأشيرات، وفحص حسابات التواصل الاجتماعي للطلاب، وتهديدات بإلغاء التأشيرات أو الترحيل في حالات دعم سياسي مثير للجدل، كلها عوامل أفقدت بعض الطلاب الثقة في أمن وجودهم الأكاديمي في الولايات المتحدة.
على مستوى سوق العمل، أصدر الرئيس الأميركي في سبتمبر توجيها تنفيذياً يقضي بفرض رسوم بقيمة 100 ألف دولار على أصحاب العمل مقابل توظيف كل حامل تأشيرة H-1B، ما يُعد عقبة مالية قد تحدّ من توظيف أعداد كبيرة من المواهب الأجنبية.
هيكل التأشيرات وتأثيره القطاعي
تُظهر بيانات دائرة خدمات المواطنة والهجرة الأميركية (USCIS) أن 72% من تأشيرات H-1B ذهبت لمواطنين هنود في السنة المالية 2023، ما يعني أن 279,386 من أصل 386,318 تأشيرة مُنحت لمواطنين هنود.
وتتركز الموافقات في القطاعات التقنية بنسبة 65%، يليها الهندسة والبناء بنسبة 9.5%، والطب والقطاع الصحي 4.3%، ثم الرياضيات والعلوم الفيزيائية 2.7%. وبالتالي، فإن أي قيود على هذه التأشيرات ستؤثر أولاً على قطاع التكنولوجيا والابتكار، الذي يعتمد بشكل كبير على الكفاءات الهندية.
وقد أتى الضرب الآخر من سوق الإسكان، حيث أعلنت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية أن المقيمين غير الدائمين، بمن فيهم حاملو H-1B، لن يكونوا مؤهلين للحصول على قروض مدعومة من إدارة الإسكان الفيدرالية (FHA) اعتباراً من نهاية مايو.
وأظهر تقرير جون بيرنز للأبحاث انخفاضاً حاداً في حصة المقيمين غير الدائمين من قروض FHA إلى مستويات قريبة من الصفر في شهريي يوليو وأغسطس، بعدما كانت تتجاوز 6% في أبريل.
وقد يؤدي ذلك إلى تحويل الحاجة إلى الاقتراض التقليدي الذي يشترط سجلاً ائتمانياً ودخلاً مستقراً — شروط يصعب توفرها فوراً للخريجين الجدد والمهاجرين الجدد.
انعكاسات واقتراحات التكيّف
النتيجة المتوقعة مزدوجة: أولاً، تقلّ فرص استقرار الخريجين والمهنيين الأجانب في الولايات المتحدة، ما قد يضعف سوق العمل في قطاعات تعتمد على المواهب الدولية.
ثانياً، قد يعيد طلاب ومهنيون هنود ترتيب وجهاتهم إلى كندا وأوروبا وأستراليا، التي تقدم برامج هجرة وتعليمية أكثر جذباً أو مسارات أبعد نحو الإقامة الدائمة.
قال أليكس توماس من JBREC لمجلة نيوزويك إن المقيمين غير الدائمين قد يواصلون الحصول على تمويل تقليدي لكنهم سيواجهون صعوبات مقارنةً بمستفيدي قروض FHA، مع تدني إجمالي القروض الممنوحة لهذه الفئة في الأشهر الأخيرة.
ماذا بعد؟
تبقى المسألة سياسياً حساسة: هل تستمر واشنطن في حفظ مكاسب سوق العمل المحلي عبر رفع تكلفة استقدام العمالة الأجنبية، أم تتراجع لتبقي على جاذبيتها كمركز للتعليم والابتكار؟ إذا استمرت القيود، فالأثر سيكون خفض التدفق، تحول في خرائط المواهب العالمية، وربما تباطؤ في قطاعات تقنية تعتمد على الكفاءات الهندية.
أما إذا رُجِع بعض القيود أو وُضعت آليات تيسير للرهن والوظيفة، فثمة فرصة لاستئناف التدفقات التعليمية والمهنية التي لطالما شكلت أحد دعامات الاقتصاد الأميركي.