قفز سهم شركة أم القرى للتنمية والبناء بنحو 60% منذ إدراجها في مارس، ما منح المطور المكي قيمة سوقية تقارب 9.2 مليار دولار، ليصبح أفضل إدراج في الشرق الأوسط هذا العام على رغم أن سوق الإدراجات السعودية سجل أداءً ضعيفًا في المتوسط.
ويأتي هذا الأداء في سياق حزمة من الإصلاحات والسياسات التي دفعت المستثمرين إلى التقاط فرص جديدة في قطاع العقار وخصوصًا في مشاريع مرتبطة بالسياحة الدينية.
ويُعزى جزء كبير من التفاؤل تجاه «أم القرى» إلى نموذج عمل واضح ومتكامل: امتلاك أراضٍ استراتيجية مجاورة للكعبة، تطويرها داخليًا، وطرح وحدات للبيع إلى جانب مشاريع تأجيرية وفندقية.
ويقلل هذا التنوع التشغيلي من المخاطر التشغيلية ويجذب شريحة واسعة من المستثمرين الباحثين عن أصول «مأمونة» نسبياً في سوق الشرق الأوسط.
كما أن المشروع المركزي الذي تطوره الشركة — والذي يتضمن نحو 50 ألف وحدة ضيافة وسكن بتكلفة تقديرية تقارب 27 مليار دولار — يمنحها رصيدًا طويل الأمد من التدفقات والإيرادات المتوقعة من قطاع الحج والعمرة.
وقد وصف محللون هذا النوع من المشاريع بأنه «تحصين ضد التقلّبات الاقتصادية»، إذ تميل السياحة الدينية إلى مقاومة دورات الركود مقارنة بالقطاعات الأخرى.
تغييرات تنظيمية محفزة
أحد العوامل المحرّكة هو التغييرات التشريعية الأخيرة التي فتحت للمرة الأولى الباب أمام الأجانب المسلمين لامتلاك عقارات في المدينتين المقدستين — مكة المكرمة والمدينة المنورة.
هذه الخطوة، إلى جانب حوافزٍ لتيسير الاستثمار في قطاع الضيافة والخدمات المرتبطة بالحج والعمرة، شكلت عامل جذب أساسياً لرأس المال المحلي والخارجي، لا سيما من دول الخليج والأسواق الإسلامية الأخرى.
والندرة النسبية للأراضي في المحيط المباشر للمدن المقدسة تضاعف من قيمة الأصول المتاحة، وتُعزّز إمكانية تحقيق علاوات سعرية للمطورين القادرين على تطوير مشاريع متكاملة قريبة من الحرم.
ملكية واستثمارات كبرى
تُظهر هيكلة المساهمين قوة مؤسسية وراء أم القرى؛ فالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق الاستثمارات العامة هما أكبر المساهمين بحصة مشتركة تبلغ نحو 44%، مما يمنح السهم دعماً استراتيجياً وطول نفس استثماري.
كما استفاد رئيس مجلس الإدارة عبد الله صالح كامل ومجموعته «دلة البركة» من الطرح العام، إذ أصبحت حصتهما — البالغة 11.1% — تساوي الآن أكثر من مليار دولار.
ورغم الأداء اللافت لأم القرى، يبقى السياق العام لسوق الإدراجات السعودية متباينًا: السوق ككل سجل أداء متواضعًا هذا العام، وثمة مخاوف من تأثير انخفاض أسعار النفط على الإنفاق الحكومي، ما يجعل بعض الإدراجات تواجه ضغوطًا سعريّة.
فعلى سبيل المثال، تراجعت أسهم بعض المطورين والفاعلين في قطاع الطاقة المتجددة بينما سجل مؤشر السوق السعودي هبوطًا عامًا.
كما أن الفجوة بين الأهداف الطموحة ومعدلات التنفيذ الفعلية تمثل تحديًا؛ إذ تحتاج المشروعات الضخمة إلى تمويل متواصل، تسهيل تصاريح، وبنية تحتية داعمة لضمان مواعيد الإنجاز والعودة على الاستثمار.
وإذا استمر أداء «أم القرى» في التفوّق، فقد يحفّز ذلك مزيدًا من المطورين على طرح شركاتهم للاكتتاب، خاصة أولئك الذين يملكون أراضًا متميزة أو مشاريع مرتبطة بالسياحة الدينية.
في الوقت نفسه، سيشكل اختبارًا لقدرة المملكة على تحويل إصلاحات الملكية واللوائح إلى نتائج تنفيذية واقعية تجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتحافظ على استدامة القطاع العقاري بعيدًا عن تقلبات النفط.