شهد مهرجان فيكتوريوس الموسيقي في مدينة بورتسموث البريطانية، الذي يُعد من أبرز الفعاليات الفنية في المملكة المتحدة، جدلًا واسعًا بعد أن أقدم منظموه على قطع الصوت عن فرقة ماري والوبرز الأيرلندية خلال عرضها، بسبب رفعها العلم الفلسطيني وقيادتها الجمهور في هتافات داعمة لفلسطين. الخطوة أثارت موجة تضامن غير مسبوقة من فرق موسيقية أخرى، قررت مقاطعة المهرجان احتجاجًا على ما وصفوه بـ “الرقابة السياسية”.
وقد جرت الواقعة مساء الجمعة حين صعد أحد أعضاء فرقة “ماري والوبرز”، المعروفة بمواقفها السياسية المعارضة للاستعمار وبأغانيها الشعبية ذات الطابع الاحتجاجي، إلى المسرح حاملاً العلم الفلسطيني. وبعد مشادة قصيرة مع أحد المنظمين، أُجبر على إنزال العلم، وهو ما دفع المغني الرئيسي تشارلز هيندي إلى إيقاف العرض مطالبًا بإعادة العلم، ثم قاد الجمهور في هتافات: “الحرية لفلسطين”.
لم تمر دقائق حتى فوجئ الحاضرون، وعددهم أكثر من 80 ألفًا في اليوم الأول للمهرجان، بانقطاع الصوت عن المسرح، بينما واصل أعضاء الفرقة الغناء والهتاف من دون أن يتمكن الجمهور من سماعهم. وقد وثّقت مقاطع فيديو انتشرت سريعًا على مواقع التواصل الاجتماعي لحظة انقطاع الصوت، لتتحول إلى مادة للجدل والرأي العام.
رد الفرقة وتصاعد التضامن
أصدرت الفرقة بيانًا لاذعًا على حساباتها الرسمية قالت فيه: “نرفض تمامًا تصوير فيكتوريوس للأحداث. لقد قُطع عرضنا بسبب رفع العلم الفلسطيني على المسرح، ونطالب المنظمين بسحب بيانهم فورًا”. وأضافت أن التضامن مع فلسطين ليس مجرد موقف سياسي بل صرخة ضد الإبادة المستمرة في غزة.
ردود الفعل لم تقتصر على وسائل التواصل، إذ سارعت عدة فرق إلى إلغاء مشاركتها تضامنًا.
فرقة The Last Dinner Party البريطانية نشرت عبر “إنستغرام”: “نشعر بغضب شديد من قرار إسكات ماري والوبرز. لا يمكننا المشاركة في الرقابة السياسية، ولذلك سنقاطع المهرجان. فلسطين حرة”.
فرقة The Academic الأيرلندية المستقلة أكدت بدورها أنها لن تعزف في “مهرجان يقيد حرية التعبير”، معلنة وقوفها إلى جانب ماري والوبرز وزملائها.
أما فرقة Cliffords الأيرلندية فقالت إنها فوجئت بسياسة “حظر الأعلام”، وأوضحت: “لا يمكننا العزف إذا كانت هذه هي الطريقة التي يُعامل بها الفنانون بسبب التحدث ضد الإبادة الجماعية. سنقف مع فلسطين وسنتبرع لجمعية المساعدة الطبية للفلسطينيين”، ونشرت صورة لأعضائها يحملون العلم الفلسطيني.
تبرير المنظمين واعتذار رسمي
أمام موجة الانتقادات، أصدر مهرجان فيكتوريوس بيانًا حاول فيه تبرير الخطوة، قائلاً إن سياسة منع رفع الأعلام على المسرح معمول بها “منذ سنوات طويلة” لأسباب تتعلق “بالسلامة وإدارة الحشود”. وأضاف البيان: “رغم أن الميكروفونات ظلت تعمل لفترة أطول، فقد تم بالفعل قطع الصوت عن الجمهور. نأسف بشدة لما حدث وسنقدم تبرعًا كبيرًا لجهود الإغاثة الإنسانية للشعب الفلسطيني”.
لكن الاعتذار لم يُقنع الفرق ولا الجمهور، إذ اعتُبر “خطوة شكلية” هدفها امتصاص الغضب، بينما اعتبر نشطاء أن التبرع لا يُغيّر من حقيقة أن المهرجان مارس رقابة سياسية واضحة على حرية التعبير الفني.
والواقعة اكتسبت زخمًا مضاعفًا بسبب تزامنها مع إعلان منظمات دولية عن دخول غزة في مرحلة المجاعة رسميًا، حيث قُتل خلال يوم واحد فقط أكثر من 65 فلسطينيًا بفعل الغارات الإسرائيلية، في وقت تمضي فيه إسرائيل بخطتها لتقسيم الضفة الغربية.
من هنا، رأى كثيرون أن مشهد العلم الفلسطيني المرفوع على المسرح كان تذكيرًا بصوت الفن في مواجهة القمع، وأن محاولة إسكات هذا الصوت عكست خضوعًا لضغوط سياسية أوسع. كما شبّه نقاد ما حدث بما جرى سابقًا في مهرجانات أوروبية حاولت منع رفع أعلام أوكرانيا أو قوس قزح، مؤكدين أن الفنون يجب أن تكون مساحة حرّة للتعبير.
الجمهور بدوره لم يقف صامتًا. مقاطع الفيديو التي نشرها الحاضرون أظهرت آلاف الأشخاص يرددون هتافات “فلسطين حرة” حتى بعد انقطاع الصوت، في مشهد يؤكد أن التضامن الشعبي تجاوز محاولات الرقابة. على منصات التواصل، غمرت تعليقات الدعم للفرقة وللقضية الفلسطينية، واعتُبر الموقف نقطة تحوّل في تاريخ المهرجان الذي تأسس عام 2012 ليكون مساحة للحرية والإبداع.