في تحول لافت في المزاج العالمي، بدأت الصين تحصد مكاسب على مستوى الشعبية الدولية في مقابل تراجع صورة الولايات المتحدة، خاصة منذ مطلع عام 2025. ووفقًا لبيانات دولية حديثة جمعت من عشرات البلدان حول العالم، باتت الصين تُنظر إليها بشكل متزايد كقوة إيجابية، في حين تآكلت صورة الولايات المتحدة بشكل ملحوظ.
هذا التحول ليس مجرد تطور رمزي في العلاقات العامة، بل يحمل انعكاسات اقتصادية واستراتيجية قد تؤثر على قدرة واشنطن في الحفاظ على تفوقها الدولي، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار والتأثير الثقافي.
صعود الصين وتراجع واشنطن
أظهرت بيانات الرأي العام التي رصدت مواقف البالغين في 41 دولة، من بينها كندا وألمانيا والهند والمكسيك وكوريا الجنوبية، أن الصين باتت تتمتع بتصنيف إيجابي صافٍ بلغ 8.8 نقاط، مقابل تصنيف سلبي للولايات المتحدة بلغ -1.5 نقطة بحلول نهاية مايو/أيار 2025.
التحول يبدو أكثر حدة عند مقارنته ببداية العام، حين كانت الولايات المتحدة تحظى بتصنيف إيجابي يفوق 20 نقطة، بينما كانت الصين لا تزال في المنطقة السلبية. ما حدث خلال الأشهر التالية يعكس تبدلًا جذريًا في تصورات الرأي العام، على خلفية قرارات سياسية وتجارية اتخذتها واشنطن، أبرزها إعادة فرض تعريفات جمركية على الواردات الصينية.
أثر السياسة الأميركية على سمعة واشنطن
تحذر تقارير تحليلية من أن هذا التدهور في صورة الولايات المتحدة بدأ يترجم بالفعل إلى كلفة اقتصادية ملموسة. فعدد الزوار الأجانب القادمين إلى البلاد في انخفاض، وتراجع الطلب على الأصول الأميركية يُهدد قيمة الدولار ومكانته كعملة احتياط دولية. كذلك، فإن القيود المفروضة على الطلاب الأجانب تقلل من الانخراط الأكاديمي العالمي وتؤثر سلبًا على جامعات البلاد.
أضف إلى ذلك بندًا مثيرًا للقلق في مشروع قانون ضرائب مطروح حاليًا، يُعتقد أنه سيؤدي إلى عزوف المستثمرين الأجانب عن شراء سندات الخزانة الأميركية، مما قد يُضعف قدرة الحكومة على تمويل إنفاقها دون رفع كلفة الاقتراض.
انعكاسات على الشركات الأميركية
مع تراجع جاذبية الولايات المتحدة في الأسواق العالمية، بدأت شركاتها الكبرى تواجه تحديات في الأسواق الخارجية، لا سيما في الدول التي باتت ترى في الصين شريكًا أكثر استقرارًا وأقل تصادمية. وقد يكون المستهلكون والمستثمرون في هذه الدول أقل حماسة للتعامل مع علامات تجارية أميركية في ظل تنامي العداء السياسي والاقتصادي.
كما أن تصريحات إدارة ترامب المتكررة ضد بكين، خاصة بعد تصريحات الجمعة الماضية التي اتهم فيها الصين بـ”انتهاك كامل” لاتفاق التجارة الأخير، زادت من تأجيج التوترات، وضربت آمالًا كانت بدأت تنمو بشأن عودة الانفراج بين البلدين.
كيف استفادت الصين؟
في المقابل، يبدو أن بكين نجحت في استثمار سياسات التصعيد الأميركية لتعزيز صورتها كقوة دولية مسؤولة. منذ مارس/آذار الماضي، بدأت تقييمات الرأي العام للصين في التحسن بوتيرة متسارعة، لا سيما بعد أن خفضت واشنطن تعريفاتها الجمركية بشكل مؤقت، ما اعتُبر حينها مؤشرًا على تهدئة. غير أن التصعيد الأخير أعاد تعبئة التعاطف الدولي مع الصين، التي واصلت تقديم نفسها كمدافع عن نظام تجاري عالمي عادل ومفتوح.
المخرجات المحتملة
يتزامن تراجع صورة الولايات المتحدة مع بدء حملة إعادة انتخاب ترامب، الذي يضع في صلب خطابه مسألة “التحرر الاقتصادي” من الصين، وهو خطاب يُلاقي ترحيبًا داخليًا في بعض الأوساط، لكنه يُنظر إليه خارجيًا كعنصر اضطراب وعدم استقرار.
وإذا استمرت هذه الديناميات، فقد تجد واشنطن نفسها في موقع دفاعي عالميًا، في وقت تصعد فيه بكين بهدوء لتقديم بدائل على المستوى التكنولوجي والاستثماري والدبلوماسي، خاصة في الجنوب العالمي وأوروبا المتأرجحة بين القوتين.
في نهاية المطاف، لا يبدو أن تآكل صورة الولايات المتحدة هو أمر عابر، بل هو انعكاس لأزمة أعمق في الاستراتيجية الأميركية الخارجية، في حين تستغل الصين اللحظة لتقديم نفسها كقوة أكثر جاذبية في النظام العالمي المتعدد الأقطاب.