اعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد يكشف حدود الطموحات العالمية لروسيا وأولوياتها الخارجية الراهنة.
وبحسب الصحيفة فإنه في ذروة طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كقوة عظمى، سعت موسكو إلى تعزيز نفوذها بعيدًا عن حدودها الواسعة. أنشأت قواعد في الشرق الأوسط والقطب الشمالي، ووسعت قوة مرتزقتها الغامضة إلى إفريقيا، وتنافست مع الولايات المتحدة والصين على النفوذ العالمي.
لكن مع تركيز موسكو مواردها المالية والعسكرية على الصراع في أوكرانيا، أصبحت مشاريعها العالمية في حالة تدهور بطيء.
وفي سوريا، لعبت القواعد الجوية والبحرية الروسية دورًا حيويًا كواجهة لموسكو مع حلفائها السوريين، إيران وحزب الله، وكجسر إقليمي لنقل القوات والمرتزقة والأسلحة عبر البحر المتوسط إلى إفريقيا.
وقد عزز التدخل الروسي في 2015، الذي أنقذ بشار الأسد، دور موسكو كلاعب رئيسي في المنطقة، مما أجبر واشنطن وإسرائيل ودول الخليج على التعامل مع الكرملين كقوة جديدة.
لكن روسيا لم تستخدم نفس المستوى من القوة الجوية في مواجهة الهجوم الذي أطاح بالأسد هذا الشهر. ومع رحيل الأسد، أصبحت مستقبل القواعد الروسية في سوريا محل شك، وتخضع الآن لمفاوضات مع القيادة السورية الجديدة.
وقالت الصحيفة إنه إذا فقدت روسيا نفوذها الرئيسي في المنطقة، فستضطر إلى البحث عن مواقع بديلة، مثل الجزائر أو السودان أو ليبيا، لكن هذه الخيارات لا تقدم مزايا مماثلة لميناء طرطوس السوري، أحد الموانئ الدافئة القليلة التي تمتلكها روسيا.
في إعادة تقييم الطموحات العالمية فإن سقوط دمشق يثير تساؤلات لموسكو: هل تستمر في لعب لعبة القوى العظمى المكلفة؟ أم تتراجع للتركيز على مناطق نفوذها التقليدية؟.
كتب فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس استشاري للكرملين حول الدفاع والسياسة الخارجية، في أحد المجلات السياسية المؤثرة: “القضية الأقل أهمية اليوم هي مسألة المكانة والهيبة… العودة إلى المستوى الدولي لم تعد تستحق العناء”.
وبشأن التأثيرات على العلاقات الإقليمية، فإن سقوط الأسد سيدفع موسكو لإعادة تنظيم علاقاتها مع لاعبين إقليميين، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يتحدث معه بوتين علنًا منذ عام.
بموازاة ذلك فإن المملكة العربية السعودية تسعى بالفعل لانتزاع حصة من سوق النفط الروسي، مما يهدد إيرادات روسيا النفطية في وقت بلغ فيه الإنفاق العسكري مستويات قياسية منذ الحقبة السوفيتية.
والنجاح الروسي في سوريا شكل نموذجًا للتدخل في أماكن أخرى، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وليبيا ومالي، حيث ساعد مرتزقة فاغنر الأنظمة الحاكمة.
بالتالي فإن سقوط أحد أقرب حلفاء روسيا يوجه ضربة لمصداقية الكرملين في إفريقيا، حيث اعتمد القادة على موسكو كضامن ضد التهديدات الداخلية والخارجية.
قال دانيال دريزنر، أستاذ السياسة الدولية: “إذا كنت قائدًا إفريقيًا يعتمد على القوة الروسية للبقاء في السلطة، فإن سقوط الأسد يعد تحذيرًا هامًا”.
كما يبرز تراجع مكانة روسيا العسكرية، باعتبار كانت ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، لكنها تواجه صعوبات بسبب:
مصر: أُجبرت على الانسحاب من صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار مع روسيا بسبب ضغوط أميركية.
الهند: تقلصت حصة الأسلحة الروسية بسبب ضغوط غربية وعجز روسيا عن الوفاء بالتزاماتها بسبب الحرب.
وفي الصراع في القطب الشمالي، كانت روسيا تعيد فتح قواعد الحقبة السوفيتية على ساحلها الشمالي، بهدف تعزيز بنيتها التحتية على طول طريق البحر الشمالي كبديل لقناة السويس.
لكن الحرب في أوكرانيا استنزفت الموارد، مما أدى إلى تأخر مشروعات مثل قاعدة ناغورسكايا وبناء كاسحات جليد نووية جديدة.
ورغم التحديات، لا تزال روسيا تحتفظ بقدرتها على إسقاط قوتها عبر مقاتلاتها وغواصاتها في القطب الشمالي، لكن الصين تستغل موقف روسيا، وتكتسب نفوذًا أكبر على طريق البحر الشمالي، مما يحد من قدرة موسكو على التحكم في هذا الممر الاستراتيجي.