في خطاب مركزي ألقاه أمام مؤتمر حزب العمال في مدينة ليفربول، قدّم رئيس الوزراء كير ستارمر رؤية جديدة تهدف إلى إعادة تشكيل سياسات التعليم والعمل والهجرة في بريطانيا، مع وعد بتصحيح ما وصفه بـ«خطأ» الاعتماد المفرط على استيراد العمالة بدل تطوير المهارات المحلية.
وقد حمل الخطاب مزيجًا من التطمين السياسي والضغوط الإصلاحية، وجاء في وقت تبدو فيه قيادة ستارمر موضع تساؤل داخل حزبه وفي مواجهة تقدم شعبية لحزب «الإصلاح» اليميني برئاسة نايجل فاراج.
وافتتح ستارمر خطابه بمراجعة تشخيصية للاعتماد الطويل الأمد على العولمة وما رافقها من تيارات اقتصادية وسياسية عقب الأزمة المالية العالمية وبريكست وجائحة كورونا.
وقال إن الثقة المفرطة في العولمة أدّت إلى هجران الصناعة البريطانية وانخفاض الاستثمار في التدريب المهني، ما أضعف قدرة المجتمعات المحلية على الصمود أمام تقلبات الأسواق العالمية.
وأكد أن الأولوية الآن هي «تجديد كل بلدة ومدينة في هذه الجزر» عبر سياسات صناعية وتعليمية جديدة تعيد ربط الشباب بسوق العمل المهاري.
وأعلن ستارمر نهاية هدف حزب العمال السابق بإيصال 50% من الشباب إلى الجامعات، واستبداله بهدف جديد يربط بين التعليم العالي والتدريب المهني، بحيث يحصل ثلثا الشباب إما على مؤهل جامعي أو تدريب مهني «مستوى ذهبي».
وقال إن هذا التحول قد يكون «غير مريح» داخل صفوف حزب العمال، لكنه ضروري لبناء «دولة أكثر عدلاً» قادرة على توفير وظائف ذات أجر لائق ونمو اقتصادي مستدام.
موقف واضح من غزة ومبادرة ترامب للسلام
في ملف السياسة الخارجية، دعا ستارمر الأطراف المعنية في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني إلى «التكاتف» من أجل تحويل مبادرة السلام الأميركية إلى واقع، معلناً دعمه لجهود إنهاء القتال وإطلاق سراح الرهائن وزيادة المساعدات إلى غزة.
كما شدّد على استعادة الأمل في حل الدولتين، مؤكداً أن «إسرائيل آمنة إلى جانب دولة فلسطينية قابلة للحياة».
من جهة أخرى لم يوفّر ستارمر انتقاده لزعيم «الإصلاح» نايجل فاراج، الذي يشهد تزايدًا في مؤشرات التأييد الشعبي، وهاجمه لنهجه الشعبوي والمستغل لمخاوف الناس.
وطرح ستارمر سؤالًا بلاغيًا: «هل يحبون بلدنا؟ هل يريدون خدمته أم زرع الانقسام من أجل مصالحهم؟» واتهم قادة اليمين باستخدام خطاب التذمّر لتقويض الثقة الوطنية، محذراً من أن سياساتهم قد تؤدي إلى فشل بريطانيا اقتصاديًا واجتماعيًا.
الهجرة والتمييز العنصري
تطرّق ستارمر إلى أزمة الهجرة التي زادت حدّتها مؤخرًا، مع وصول عشرات الآلاف على متن قوارب عبر القناة. قال إن بريطانيا ستظل «دولة كريمة» تجاه اللاجئين الحقيقيين، لكنه شدّد في الوقت نفسه على محاربة مهربي البشر وتأمين الحدود.
وانتقد في المقابل الأعمال العنصرية والإجرامية ضد المهاجرين، واعتبرها تعبيرًا عن كراهية وليس عن قلق مشروع.
وقد صعدت الأصوات داخل حزب العمال تطالب بمناقشة قيادة ستارمر، وسط قلق من تراجع في استطلاعات الرأي وصعود الحزب المنافس.
وأفاد مشاركون أن مسألة البديل طرحت بشكل علني داخل المؤتمرات الحزبية، وأن الكثيرين يشعرون بأن هناك حاجة لحوار حول القيادة.
وردّ أمين عام مجموعة «فابيان» بحرارة على هذه الخطابات داعياً إلى التركيز على العمل السياسي بدلاً من التداول الدائم حول مستقبل الزعامة.