أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب بالتقدّم الذي أحرزته محادثات السلام الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، في وقت كشفت فيه واشنطن عن مقترح لتقديم ضمانات أمنية واسعة النطاق، على غرار تلك التي يوفرها حلف شمال الأطلسي، بهدف منع روسيا من شن هجوم جديد مستقبلاً.
غير أن هذا التفاؤل الحذر ترافق مع تساؤلات جوهرية تتعلق بمصير الأراضي المتنازع عليها، ومدى استعداد موسكو للقبول بأي تسوية.
وجاءت هذه التطورات عقب يومين من المحادثات المكثفة التي استضافتها برلين، بمشاركة مفاوضين أمريكيين وأوروبيين، في محاولة لكسر الجمود الذي طبع المسار الدبلوماسي خلال الأشهر الماضية.
ووصف زيلينسكي المقترحات الأمريكية بأنها «جيدة للغاية»، مؤكداً أنها تمثل خطوة نوعية مقارنة بالعروض السابقة، فيما قال ترامب إن الأطراف «أقرب من أي وقت مضى» إلى التوصل لاتفاق سلام.
ورغم النبرة الإيجابية، شدد زيلينسكي على أن ما طُرح لا يزال «مسودة أولية»، محذراً من أن قضايا أساسية لم تُحسم بعد، وفي مقدمتها مستقبل مناطق في إقليم دونباس شرق البلاد التي تسيطر عليها القوات الروسية منذ سنوات.
كما لم ترد أي إشارات واضحة إلى موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الإطار المقترح، ما يضع علامات استفهام حول فرص تحويل التفاهمات إلى اتفاق ملزم.
من جهته، رحّب المستشار الألماني فريدريش ميرز، الذي استضاف المحادثات، بما وصفه بالضمانات الأمنية «القانونية والمادية» التي طرحها المفاوضان الأمريكيان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر.
واعتبر ميرز أن هذه المقترحات تفتح للمرة الأولى منذ عام 2022 نافذة حقيقية لوقف إطلاق النار، مضيفاً أن الكرة باتت الآن في الملعب الروسي.
وتكمن أهمية هذه الضمانات في أنها تلبي مطلباً أوكرانياً أساسياً ظل مطروحاً منذ بداية الحرب، إذ تصر كييف على أن أي تسوية سياسية لا يمكن أن تنجح من دون ترتيبات ردع قوية تمنع موسكو من تكرار سيناريو الغزو.
وفي هذا السياق، أشار ميرز إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا أبدتا استعداداً مشتركاً لتقديم ضمانات شبيهة بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو، التي تنص على الدفاع الجماعي في حال تعرض أحد الأعضاء لهجوم.
ورغم رفض روسيا القاطع لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، فإن الطرح الجديد يحاول الالتفاف على هذه العقدة عبر تقديم التزامات أمنية ملزمة من دون عضوية رسمية.
وتشمل الخطة، وفق بيان مشترك لقادة أوروبيين، دعم الجيش الأوكراني للحفاظ على قوة قوامها نحو 800 ألف جندي في زمن السلم، بما يضمن قدرته على الردع والدفاع.
كما تنص المقترحات على إنشاء «قوة أوكرانية متعددة الجنسيات» بقيادة أوروبية، تضم دولاً راغبة في المشاركة، وتعمل بدعم أمريكي لتأمين المجال الجوي الأوكراني، وتعزيز الأمن البحري، وتقديم إسناد مباشر للقوات الأوكرانية داخل البلاد.
وفي موازاة ذلك، تتولى الولايات المتحدة مسؤولية مراقبة أي وقف لإطلاق النار، وتوفير آلية إنذار مبكر في حال وقوع خرق أو هجوم جديد، مع التزام باتخاذ إجراءات حاسمة، قد تشمل القوة العسكرية والمعلومات الاستخباراتية.
وحظي هذا التقدم بترحيب واسع من قادة أوروبيين، بينهم زعماء فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ودول شمال أوروبا، إضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
وأكد بيانهم المشترك أن الخطة لا تقتصر على الجوانب الأمنية، بل تشمل أيضاً دعم تعافي أوكرانيا اقتصادياً، والاستثمار في إعادة الإعمار، ومواصلة مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة داخل الأوساط الدبلوماسية الأوروبية. فبعض المسؤولين يتساءلون عن مدى موثوقية الالتزامات الأمريكية في ظل التوترات المتصاعدة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ويخشون أن تكون الضمانات المقترحة أقل فاعلية من عضوية كاملة في الناتو.
كما أن الخلافات الأوروبية حول استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل دعم كييف تضيف طبقة جديدة من التعقيد.
وبينما تضغط واشنطن للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام، يبقى مصير المبادرة مرهوناً بمدى استعداد روسيا للتجاوب، وقدرة الغرب على تحويل الوعود السياسية إلى ضمانات عملية قابلة للتنفيذ.