مع حلول الظلام على ستوكهولم في إحدى أمسيات شهر مايو الماضي، بدأت المدينة تنسجم مع إيقاعها الليلي، وبدأ عالم الجريمة في التحرك في ظل حرب الظل في أوروبا متمثلة بالمواجهة الإيرانية الإسرائيلية في السويد.
في منزل بمدينة فيستيروس، وهي مدينة مطلة على البحيرة تبعد 60 ميلاً غرب العاصمة، أنهت أم روتينها الليلي مطمئنة لرؤية ابنها البالغ من العمر 15 عامًا في سريره، لكن، وقبل حلول منتصف الليل بقليل، نهض المراهق بصمت وغادر المنزل دون أن يشعر به أحد.
كان بانتظاره عمل، وقد اعتقد هذه المرة أنه سينتهي منه قبل بزوغ الفجر، وبوقت كافٍ قبل امتحان الرياضيات.
وصلت سيارة أوبر في الخارج بعد ان رتب شخص آخر وسيلة النقل له، وفقًا لوثائق المحكمة والشرطة، وتُظهر هذه الوثائق، التي تتضمن رسائل نصية تبادلها، تفاصيل رحلته.
أضاءت الأضواء الزرقاء، وحاصره رجال الشرطة، وتم اعتقاله قبل بدء الجزء الأخيرة من رحلته بقليل، ولكن تمكن صبي آخر يبلغ من العمر 14 عامًا من الوصول الى هدفه بعد أكثر من 24 ساعة بقليل، واطلق رصاصات عدة قرب السفارة الإسرائيلية من مسدس نصف أوتوماتيكي من عيار 9 ملم، قبل أن يتم توقيفه.
لم تتم ملاحقة الصبي البالغ من العمر 14 عامًا قضائيًا لأنه دون السن القانونية، في حين أُدين الصبي البالغ من العمر 15 عامًا بارتكاب جريمة خطيرة تتعلق بالأسلحة، وتم الحكم عليه بالبقاء 11 شهرًا في دار رعاية الأحداث.
تقول الشرطة إن هذه المحاولات كانت من بين عدة هجمات العام الماضي استهدفت السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم، وقالت مصادر في جهاز الأمن السويدي (سابو) لشبكة CNN إن هذه الهجمات نُفذت من قبل عصابات تعمل لصالح إيران، مما زاد من خطورة الأزمة القائمة.
تواجه السويد موجة من العنف المرتبط بالعصابات، والذي بات يشمل الأطفال والمراهقين بشكل متزايد، ووفقًا لمقابلات أجريت ضمن هذا التحقيق مع أكثر من عشرين مصدرًا، من بينهم أعضاء سابقون في العصابات، وعدد من العاملين الاجتماعيين، والمدعين العامين، والمحامين، وعلماء الجريمة، وأعضاء في أجهزة الأمن، فإن العصابات تقوم بتجنيد أطفال لا يمكن سجنهم قانونيًا لتنفيذ أعمال عنف، وتُعد وسائل التواصل الاجتماعي أداة رئيسية في استغلالهم، حيث يقوم المجرمون بتوجيههم عبر الإنترنت لارتكاب جرائم تتراوح بين التخريب والتفجيرات والاغتيالات بعقود.
وحذر جهاز سابو العام الماضي من أن إيران تستخدم الشبكات الإجرامية في السويد لتنفيذ أجندتها ضمن تصعيد لصراعها الإقليمي مع إسرائيل، لكنها لم تقدم تفاصيل إضافية كثيرة، ورفضت السفارة الإيرانية في ستوكهولم حينها هذه الادعاءات ووصفتها بأنها “مزيفة ودعائية” تروج لها إسرائيل.
وتحدثتCNN مع مصادر عدة في الشرطة السويدية وجهاز الأمن بشأن هذه الأنشطة الأجنبية المزعومة ضمن هذا التحقيق، ولم يرغب جميعهم في التعليق بشكل علني، لكن الذين فعلوا أكدوا أن الحكومة الإيرانية تتعاون مع العصابات المحلية لتخطيط هجمات سياسية ضد مصالح إسرائيلية ويهودية، وقالوا إن الأطفال كانوا متورطين في العديد من الحالات.
ورفضت السلطات الإيرانية التعليق على تحقيق CNN.
وقال مصدر في سابو لـ CNN إن عصابتين متنافستين في السويد، تعرفان باسم “فوكستروت” و”رومبا”، خططتا لهجمات عدة استهدفت السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم بطلب من إيران العام الماضي، من بينها محاولة هجوم باستخدام عبوة ناسفة في 31 يناير، والمحاولة التي أُحبطت في 16 مايو، وإطلاق النار في 17 مايو، بالإضافة إلى ما وصفه مدعٍ عام سويدي بحادث إطلاق نار في الأول من أكتوبر.
وقال المدعي الذي يتعامل مع حادثة أكتوبر إن المشتبه به تم التعرف عليه لاحقًا فيما يتعلق بانفجارات قرب السفارة الإسرائيلية في كوبنهاغن، عاصمة الدنمارك المجاورة، في اليوم التالي، ولا يزال التحقيق في تلك القضية جارياً.
وأظهرت مراجعةCNN أن معظم الهجمات التي تم التحقيق فيها شملت مشتبهين دون سن 18، وهم يُعاملون بشكل مختلف عن البالغين في النظام القضائي السويدي، مع التركيز على التأهيل وفرص أكبر لإسقاط التهم، وتشير سجلات المحاكم إلى أن هؤلاء المراهقين لم يكن لديهم إدراك واضح بمن كان يوجه تحركاتهم.
وقال فريدريك هالستروم، رئيس العمليات في جهاز سابو، لسي ان ان “تصبح المشكلة أكبر بالنسبة لنا عندما تكون هناك دولة مثل إيران تستخدم هؤلاء الأطفال كواجهة”، ووصف هذه الممارسة بأنها جرائم مقابل خدمات أو قتل مأجور، وأضاف: “الجريمة المنظمة في السويد حاليًا تمثل ثغرة كبيرة يتم استغلالها من قبل جهات دولية”.
وتابع قائلًا: “بعد السابع من أكتوبر، رأينا هذا النوع من الأساليب”، في إشارة إلى الهجمات التي قادتها حماس ضد إسرائيل عام 2023 والتي أشعلت الحرب في غزة. حماس تحظى بدعم من إيران.
وخاضت إيران وإسرائيل منذ فترة طويلة ما يسمى بـ”حرب الظل”، حيث تستخدمان الجواسيس، والقتلة المأجورين، والشبكات الإجرامية، والأنشطة السيبرانية، ووسائل أخرى خفية لضرب بعضهما البعض، بشكل رئيسي في الشرق الأوسط، لكن، في السنوات الأخيرة، حذرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من تصاعد التهديدات الإيرانية في الغرب، عبر مخططات تنفذها وكلاء تستهدف معارضين وصحفيين، إلى جانب إسرائيليين ويهود.
ووجدت CNNأمثلة حديثة لهجمات مخطط لها على مواقع إسرائيلية ويهودية في أوروبا، حيث يُزعم أن شبكات إجرامية مرتبطة بإيران مارست ضغوطًا على سكان محليين لتنفيذ الجرائم، بحسب وثائق المحاكم، ومن بين الأهداف التي سعت لضربها: كنيس ومركز تذكاري يهودي في ألمانيا، ومطعم ومركز صلاة يهودي في اليونان.
مرتكب أحد الحوادث في ألمانيا لم يكن له سجل جنائي سابق، ووجدت المحكمة أنه تعرض لضغوط للقيام بذلك، أما في اليونان، فقد قدم أحد المتهمين، وهو مهاجر باكستاني بدون أوراق ثبوتية، أدلة للمحكمة على تعرضه للإكراه، ونفت إيران ضلوعها في هذه الحوادث.
وتشير هذه القضايا مجتمعة إلى استخدام وكلاء ضعفاء لتنفيذ عمليات في أوروبا، وتقول مصادر أمنية إن إيران بدأت الآن في تجنيد أطفال غير مدركين لما يُطلب منهم.
ويقول ماغنوس رانستورب، خبير مكافحة الإرهاب في جامعة الدفاع السويدية، إن هذه العمليات، رغم عدم تعقيدها الشديد بالنظر إلى أن مرتكبيها المزعومين شباب يفتقرون للخبرة، فإنها تبقى شديدة الخطورة.
وأضاف: “هؤلاء الشباب مجرد أدوات، ويتم دفعهم بشكل أو بآخر إلى تنفيذ هذه الأعمال.”
كارثة وطنية
تُعرف السويد بأنها من أكثر دول العالم سخاءً في شبكات الأمان الاجتماعي، وبثقافة راسخة في رعاية الفئات الضعيفة، لكن اسمها اصبح في السنوات الأخيرة، مرادفاً للجريمة العنيفة في أوروبا.
وبحسب دراسة للمجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة، فإنها تسجل حالياً واحداً من أعلى معدلات الجرائم باستخدام الأسلحة النارية في القارة.
وأصبح الخوف من هذه الأزمة يهيمن على المشهد السياسي في السويد، حيث لعب دوراً في صعود تحالف يميني إلى السلطة في عام 2022 بعد تعهده بالتشدد في مواجهة الجريمة.
وشددت الحكومة من سياسات الهجرة، وفرضت عقوبات أقسى على الجرائم باستخدام الأسلحة، ووسّعت من صلاحيات المراقبة الشرطية، لكن المنتقدين يقولون إن هذه التدابير تجاهلت الأسباب الجذرية وراء حروب العصابات، مثل التفاوت الاقتصادي المتزايد والعزل الاجتماعي.
وسُجّل 33 انفجاراً مرتبطاً بالعصابات في السويد في يناير الماضي وحده – وهو أعلى رقم شهري على الإطلاق بحسب تقرير للشرطة السويدية عام 2025، وأشار التقرير إلى أن 30% من المشتبه بهم في جرائم القتل المرتبطة بالأسلحة النارية عام 2024 كانوا دون سن 18، مقارنة بنحو 20% في السنوات الأخيرة.
وظلت الجرائم بالأسلحة النارية السبب الأكثر شيوعاً لحالات الوفاة العنيفة في السويد عام 2024، رغم أن معدل جرائم القتل والقتل غير العمد انخفض مع زيادة المراقبة، وفقاً لإحصاءات نشرها المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة في مارس.
ويقول جون فورسبيرغ، المشرف العام في الشرطة الوطنية السويدية،لشبكة سي ان ان “إنها كارثة وطنية”، مضيفاً أن الأطفال باتوا يعبرون الحدود لتنفيذ الجرائم، مما يجعلها مشكلة أوروبية شاملة.
وغالباً ما تجذب العصابات الأطفال والمراهقين عبر إغرائهم بأشياء باهظة الثمن، وتكلفهم في البداية بمهام تبدو غير مؤذية، لكنها تتصاعد تدريجياً بمرور الوقت.
ويقول لؤي مهاجب، محقق سابق في الشرطة السويدية عمل على العديد من القضايا المتعلقة بالأطفال في العصابات: “إنهم يعمون تماماً في سعيهم وراء المال والمكانة والأشياء المادية. يسيطر عليهم هوس امتلاك النقود لشراء الملابس.”
لكن هناك دوافع شخصية واقتصادية واجتماعية أيضاً، منها البحث عن الانتماء والمكانة والمكاسب المالية، خاصة عندما تكون الفرص الشرعية نادرة.
ويقول رينيه لوبوس، وهو عضو سابق في عصابة يساعد حالياً الأطفال على الخروج من العصابات، لشبكة سي ان ان “عليك أن ترى جذور المشكلة. هؤلاء الشباب غير واثقين بأنفسهم، ولم يكن لديهم قدوة أثناء نشأتهم”، وأوضح أن الانضمام إلى العصابات يمنحهم إحساساً بالانتماء المجتمعي.
أما والدة الفتى البالغ من العمر 15 عاماً، والذي أُلقي القبض عليه أثناء توجهه إلى السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم في مايو 2024، فأخبرت السلطات أنها تعتقد أن ابنها قد تم استغلاله، وقالت إن الأشخاص الأكبر سناً الذين كان يقضي معهم الوقت – والذين قد يكونون من سهّلوا له “العمل” – كانوا بمثابة “إخوة كبار” له، يحمونه ويدعمونه ويجعلونه يشعر بالأمان.
وتُجنّد الشبكات الإجرامية المراهقين استراتيجياً، لأنهم ليسوا فقط أسهل في التلاعب، بل أيضاً يتلقون عقوبات أخف، بحسب خبراء أمنيين تحدثت اليهم سي ان ان، ففي السويد، لا يمكن تحميل الأطفال دون سن 15 المسؤولية القانونية عن الجرائم، بينما يُحال من تتراوح أعمارهم بين 15 و18 إلى سلطات الرعاية الاجتماعية بدلاً من السجن عادة.
وقالت المدعية العامة السويدية، ليزا دوس سانتوس، لشبكة سي ان ان إن استخدام القُصّر يُمكّن كبار قادة العصابات من التهرب من إنفاذ القانون، وأضافت: “لا توجد صلة واضحة بين المنفذ المستهدف وقائد العصابة الذي طلب تنفيذ المهمة، مما يصعّب تتبع العملية.”
ويقول خبراء إن عصابة “فوكس تروت” – وهي من أكثر العصابات رعباً في السويد – تقف وراء تصاعد العنف في شوارع البلاد، مستخدمة المراهقين لتنفيذ الجرائم، وقد تفاقمت حروب العصابات عام 2023 بعد أن دخل زعيم “فوكس تروت”، روا مجيد، في صراع مع حليفه السابق، إسماعيل عبده، الذي أصبح زعيماً لعصابة منافسة تُعرف باسم “رومبا”.
الرجلان مطلوبان بتهم متعددة، من بينها جرائم مخدرات جسيمة، وفقًا لنشرات الإنتربول الحمراء الصادرة بحقهما، ويواجه ماجد تهم التحريض على القتل، بينما يواجه عبدو تهم التحريض على الشروع في القتل.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على عصابة “فوكستروت” وزعيمها ماجد مؤخرًا، قائلة إنه يتعاون مع وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية واتهمت العصابة بتنسيق هجمات ضد إسرائيليين ويهود في أوروبا نيابة عن إيران، بما في ذلك محاولة الهجوم على السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم في يناير 2024، مشيرة إلى أن المجموعة “تستخدم المراهقين بانتظام”.
وأعلنت الوزارة لدى فرض العقوبات في مطلع مارس أن النظام الإيراني بات يعتمد بشكل متزايد على الشبكات الإجرامية كأذرع له.
وقال وزير الخزانة، سكوت بيسنت: “يعكس الاستخدام الوقح الذي تنتهجه إيران للتنظيمات الإجرامية العابرة للحدود ومهربي المخدرات محاولة النظام تحقيق أهدافه بأي وسيلة، دون اعتبار للكلفة التي يدفعها المجتمع الأوروبي”.
وغادر ماجد السويد في أبريل 2019، ومنذ ذلك الحين استقر في السليمانية، وهي مدينة كردية في شمال العراق، بحسب ملفات للشرطة السويدية تتعلق بالتحقيق حول زعيم العصابة.
وتشير الملفات إلى أنه واصل التواصل مع شركائه الإجراميين وإدارة العمليات عبر محادثات مشفرة، غالبًا باستخدام الاسم المستعار “فوكسكردي” في إشارة إلى لقبه “الثعلب الكردي”.
ويقول سعيد قاسمي نجاد، المستشار البارز في شؤون إيران بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، إن لإيران نفوذًا كبيرًا في كردستان العراق، مفسرًا بذلك سبب احتمالية تجنيد إيران لماجد.
وأوضح أن التعاون بين النظام الإيراني والأكراد العراقيين تعزز خلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات وانتهت عام 1988.
أما مكان عبدو فلا يزال غير مؤكد، لكن تقارير محلية في مايو 2024 أفادت باعتقاله في محافظة أضنة جنوب تركيا ثم إطلاق سراحه بكفالة.
وزعمت وكالة الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” العام الماضي أن كلًا من ماجد وعبدو يعملان مع إيران، وحمّلتهما مسؤولية محاولات الهجوم على السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم، وفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية.
وتواصلت شبكة سي ان ان مع الموساد للحصول على معلومات إضافية وتعليق على هذه التقارير، لكنها لم تتلق ردًا.
تحويل العنف إلى “لعبة” عبر الإنترنت
وتتجه العصابات بشكل متزايد إلى المنصات الرقمية لتجنيد الشباب، مقابل مبالغ مالية لتنفيذ عمليات قتل مستهدفة.
وقالت المدعية العامة ليزا دوس سانتوس إن المهام الإجرامية تُنشر عبر منصات عامة مثل سنابشات وإنستغرام، ويُطلب من الراغبين في التنفيذ التواصل بشكل خاص، ثم يُضمّون إلى مجموعات مغلقة على تطبيقات مشفرة مثل سغنال وزانكي.
واجتمع وزراء العدل في السويد والدنمارك ودول إسكندنافية أخرى في ديسمبر مع ممثلين عن ميتا، غوغل، تيك توك وسنابشات، لمناقشة سبل وقف استخدام العصابات لهذه المنصات، وتعمل الشركات الأربع ضمن مبادرة TechSverige على إنشاء منتدى معرفي مشترك في الدول الإسكندنافية لمواجهة الظاهرة، إلا أن سنابشات أخبرت سي ان ان بعدم رصدها “علامات واضحة” على عمليات تجنيد عبر منصتها.
وقال وزير العدل الدنماركي بيتر هوملغارد حينها إنه “لا بد من اتخاذ إجراءات ملموسة” لضمان عدم تسهيل هذه المنصات الرقمية للجريمة، ووجه انتقادات إلى سغنال وتلغرام لتغيبهما عن الاجتماع.
وأكدت ميتا، غوغل، تيك توك، سنابشات وتليغرام أنها ترصد وتزيل المحتوى الضار باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والإشراف البشري، وتمنع التحريض على الجريمة وتعمل مع الجهات المختصة لحماية المستخدمين، خاصة الأطفال.
لكن منصتي زانجي وسغنال لم تردا على استفسارات سي ان ان.
وقال أوسكار فالدنر، الباحث في جامعة مالمو الذي يدرس كيفية استغلال الشبكات الإجرامية للإنترنت، إن العصابات تعرض أنشطتها غير المشروعة “بشكل صريح جدًا” مقابل مبالغ ضخمة.
وحللت سي ان ان قنوات تيليغرام عامة مرتبطة بالشبكات الإجرامية، ووجدت أن هذه المجموعات تستخدم رموزًا تعبيرية خادعة لتنفيذ أوامرها: الجمجمة ترمز للقتل، والدولار للدفع، حسب المدعين العامين والأكاديميين، وغالبًا ما ترمز “فوكستروت” برمز الثعلب، بينما تمثل “رومبا” بالفراولة، نسبة إلى تجارة الفراولة التي كان يديرها عبدو سابقًا، وفقًا لمصدر في الشرطة.
وتمت إزالة تلك القنوات في الأشهر الأخيرة.
وقال متحدث باسم تيليغرام لسي ان ان إنه تمت إزالة محتوى تجنيد العصابات في السويد فور اكتشافه في أغسطس، وأن المشرفين يواصلون إزالة المحاولات الجديدة، وأضاف أن الشركة تلتزم بقانون الاتحاد الأوروبي للمحتوى الرقمي (DSA) وتتيح قنوات للجهات المعنية لتقديم طلبات الإزالة.
وأشار خبراء مكافحة الإرهاب وعلماء الجريمة والأخصائيون الاجتماعيون إلى أن تطبيع العنف عبر الإنترنت يؤدي إلى دورة خطيرة من تمجيد الجريمة، مؤكدين أن الأطفال غالبًا ما يُستهدفون في الوقت الحقيقي عبر الإنترنت.
وقال لؤي مهاجب، المحقق السابق في الشرطة السويدية: “هؤلاء الأطفال يصورون كل شيء، ويلتقطون صورًا لهم بالسلاح ويرسلونها لأصدقائهم قبل أو بعد تنفيذ إطلاق النار، ويتفاخرون بذلك لأنهم يعلمون أن هذه الإعلانات تمنحهم مكانة اجتماعية”.
ويتسع القلق من تعرض الأطفال للمحتوى العنيف الرقمي ليشمل السلطات الأوروبية.
وقالت آنا شوبيرغ، رئيسة مركز مكافحة الإرهاب الأوروبي في يوروبول: “غالبًا ما تتشكل مجموعات من شباب صغار جدًا حول سرديات العنف، وليس حول أيديولوجيات… ويتبادلون محتوى عنيفًا وخيالات عن تنفيذ العنف، مما يجعلهم أرضًا خصبة للتجنيد من قبل الإرهابيين أو الشبكات الإجرامية”.
سأجلب له ملابس أنيقة
وقال المراهق البالغ من العمر 15 عامًا من مدينة فيستيروس، والذي اعتُقل في طريقه إلى السفارة الإسرائيلية، إنه اعتقد في البداية أن “الوظيفة” كانت لنقل الحشيش، وشعر بأنه “خُدع وغضب” عندما قيل له إنه سيلتقط سلاحًا.
وادعى أنه قبل ثلاثة أيام فقط من الحادث، عُرض عليه تنفيذ هجوم على السفارة لكنه رفض بسبب طبيعته السياسية، مؤكدًا أنه لم يكن يعرف وجهته تلك الليلة إلا بعد صعوده إلى سيارة الأوبر.
وقال شقيق الفتى البالغ 14 عامًا، والذي أطلق النار قرب السفارة في اليوم التالي، إنه لم يكن يعتقد أن شقيقه “قادر” على تنفيذ الهجوم، بحسب تسجيلات تنصت بأمر من الشرطة السويدية.
وقال: “كنت أظن أنه سيطلق رصاصة واحدة، يخاف ويهرب”، مضيفًا أنه صُدم عندما علم بأن شقيقه أفرغ كامل مشط الرصاص.
وأضاف في مكالمة أخرى: “هم يظنون أنها عملية إرهابية، أخي… تم وصفه بأنه إرهابي، يا رجل… جاء في الأخبار… إطلاق نار على سفارة إسرائيل”.
وتكشف المكالمات الهاتفية بساطة “المكافآت” التي يحصل عليها الأطفال مقابل تنفيذ جرائم خطيرة، ففي إحدى المكالمات، قال شقيق الفتى لمتصل مجهول إنه تسلم الأموال وأخفى نصيبه، وأضاف: “سأزوره في مركز الرعاية، وأجلب له ملابس أنيقة وأشياء يحبها”.
وعثرت الشرطة على صورة محذوفة في هاتف الشقيق تُظهر شخصين ملثمين يحملان رزمًا كبيرة من أوراق نقدية من فئة 500 كرونة (نحو 50 دولارًا).
وفي مكالمة أخرى، عبّر عن قلقه على شقيقه الأصغر، فيما حاول شخص مجهول تهدئته قائلًا: “لا تقلق، سيتم رفض التهم تلقائيًا… ربما يُرسل إلى مركز تأهيل أو شيء من هذا القبيل… لكنه لن يحصل على سجل جنائي”.
وقال أخصائيون اجتماعيون لسي ان ان إن الأطفال المجندين في العصابات يجب أن يُنظر إليهم كضحايا لنظام فشل في حمايتهم، وليس كمجرمين، وأكدوا أن عدم التدخل بشكل فعال يترك هؤلاء الأطفال عرضة للمزيد من الاستغلال، في دوامة لا تنتهي من العنف.
وقال الفتى البالغ 15 عامًا وهو جالس في سيارة الدورية لأحد الضباط بعد لحظات من اعتقاله: “فات الأوان لأخرج من العصابة… سيعثرون عليك مهما اختبأت”، مضيفًا أن العنف في السويد “سيزداد سوءًا فقط”.