تواصل فرق الإطفاء السورية، بدعم إقليمي، معركتها الشاقة لاحتواء حرائق الغابات المشتعلة في ريف اللاذقية، والتي اقتربت بشكل خطير من المناطق المأهولة بالسكان، مما اضطر السلطات إلى تنفيذ عمليات إخلاء واسعة النطاق لحماية المدنيين.
وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن ألسنة اللهب امتدت إلى أطراف قرية الغسانية في منطقة رأس البسيط بمحافظة اللاذقية، مع تصاعد الرياح وارتفاع درجات الحرارة، ما زاد من صعوبة السيطرة على الحرائق المستعرة منذ الأربعاء الماضي.
وقال مدير الدفاع المدني السوري في المنطقة الساحلية، عبد الكافي كيال، إن فرق الإطفاء تعمل على منع امتداد الحرائق إلى قلب المناطق السكنية، مضيفاً: «النيران أصبحت الآن قريبة بشكل خطير من المناطق الآهلة بالسكان في الغسانية، والفرق تبذل قصارى جهدها لاحتواء الحريق».
دعم إقليمي عاجل
وفي محاولة عاجلة لاحتواء الكارثة، تدخلت دول مجاورة لمساعدة سوريا في مكافحة الحرائق. وأرسلت تركيا والأردن سيارات إطفاء وطائرات للمشاركة في إخماد النيران التي تلتهم الغابات الكثيفة في الساحل السوري، والذي يُعد الرئة الخضراء للبلاد.
وأظهرت مقاطع فيديو نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أعمدة الدخان الكثيف وهي تتصاعد فوق التلال المغطاة بالأشجار، بينما كانت طائرات الهليكوبتر تلقي المياه على النيران.
وقال وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري، رائد الصالح، إن الحرائق الحالية تُعتبر «واحدة من أصعب الحرائق التي تواجهها البلاد» نظراً للتضاريس الوعرة، وكثافة الغطاء النباتي، والرياح القوية التي تسهم في سرعة انتشار النيران.
خسائر بيئية واقتصادية
تضم محافظة اللاذقية ومعها المناطق الساحلية، مثل بانياس وطرطوس، معظم المساحات الخضراء المتبقية في سوريا. وتشير تقديرات ما قبل الحرب إلى أن الغابات تغطي حوالي 4000 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 2 في المائة من مساحة البلاد. إلا أن سنوات الحرب الطويلة خلفت أضراراً بالغة بهذه الثروة الطبيعية بسبب قطع الأشجار غير القانوني، والبناء والزراعة العشوائية، ما جعل الغابات أكثر عرضة للحرائق.
وتسببت الحرائق، حتى الآن، في خسائر كبيرة في المساحات الحرجية والزراعية، دون إحصاء رسمي للخسائر المادية أو البيئية، بينما تبقى المخاوف كبيرة من وصول النيران إلى منازل المدنيين، ما قد يزيد من معاناة السكان الذين يعيشون بالفعل ظروفاً اقتصادية وإنسانية صعبة.
الجفاف وتأثيرات التغير المناخي
تتزامن هذه الحرائق مع موجة حر وجفاف شديدين يضربان المنطقة. وتشهد سوريا واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ عقود، بعدما كانت توصف سابقاً بسلة غذاء المنطقة. ففي أواخر العقد الأول من الألفية، بدأت البلاد تتحول إلى مستورد رئيسي للقمح، نتيجة شح الأمطار والاستنزاف غير القانوني للمياه الجوفية عبر الآبار العشوائية، ما أدى إلى تراجع مستوى الخزانات الجوفية.
ويقول خبراء إن تغير المناخ أدى إلى زيادة تواتر وشدة موجات الحر والجفاف، ما ساهم في جعل الغابات أكثر عرضة للاشتعال، حتى بسبب شرارات بسيطة أو سلوك بشري غير حذر.
أوضاع إنسانية مقلقة
وفي ظل هذه الحرائق، يعيش السكان المحليون حالة من القلق والخوف من فقدان منازلهم ومزارعهم وممتلكاتهم. وقال سكان من قرية الغسانية إن ألسنة اللهب باتت مرئية من منازلهم، وإنهم اضطروا لإخلاء منازلهم على عجل بعد تلقي تعليمات من السلطات.
وقال أحد السكان: «تركنا كل شيء خلفنا. لم نتمكن حتى من أخذ ممتلكاتنا الثمينة. الأولوية كانت لإنقاذ حياتنا وأطفالنا».
وحذرت السلطات المحلية من أن استمرار الرياح العاتية وارتفاع درجات الحرارة قد يؤديان إلى تجدد الحرائق في مواقع أخرى، رغم الجهود المستمرة لاحتوائها.
تحذيرات دولية
وتتابع منظمات دولية الوضع عن كثب، وسط دعوات لتقديم مساعدات عاجلة لمنع وقوع كارثة بيئية وإنسانية أوسع نطاقاً.
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيان له إن «الحرائق تشكل تهديداً خطيراً للغابات المتبقية في سوريا، وللتنوع البيئي الذي يعاني أصلاً من آثار الحرب والتغير المناخي».
وتبقى السلطات السورية في سباق مع الزمن لاحتواء النيران، في وقت يُخشى فيه من امتداد الحرائق إلى مناطق سكنية جديدة، ما قد يفاقم من حجم الكارثة في بلد لا يزال يرزح تحت أعباء حرب مدمرة وأزمة اقتصادية خانقة.